الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَهْلِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } * { فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين ينهاهم أن يدخلوا بيوتاً لا يملكونها، وهي ملك غيرهم إلا بعد أن يستأنسوا، ومعناه يستأذنوا، والاستئناس الاستئذان - في قول ابن عباس وابن مسعود وابراهيم وقتادة - وكأن المعنى يستأنسوا بالاذن. وروي عن ابن عباس أنه قال: القراءة { حتى تستأذنوا } وانما وهم الكتاب. وهو قول سعيد ابن جبير، وبه قرأ أبي بن كعب. وقال مجاهد: حتى تستأنسوا بالتنحنح والكلام الذي يقوم مقام الاستئذان. وقد بين الله تعالى ذلك في قولهوإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا } قال عطاء: وهو واجب في أمه وسائر أهله والاستئناس طلب الانس بالعلم أو غيره، كقول العرب: اذهب فاستأنس هل ترى احداً، ومنه قولهفإن آنستم منهم رشداً } اي علمتم.

وقوله { وتسلموا على أهلها } معناه على أهل البيوت ينبغي أن تسلموا عليهم وإذا أذنوا لكم فى الدخول فادخلوها. وروى ابو موسى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " الاستئذان ثلاث، فان اذنوا، وإلا فارجع " فدعاه عمر، فقال لتأتيني بالبينة وإلا عاقبتك، فمضى أبو موسى، فأتى بمن سمع الحديث معه.

والفرق بين الاذن في الدخول، وبين الدعاء اليه، أن الدعاء اليه، يدل على ارادة الداعي، وليس كذلك الاذن. وفى الدعاء رغبة الداعي او المدعو، وليس كذلك الاذن

وقوله { ذلكم خير لكم } يعني الاستئذان خير لكم من تركه، لتتذكروا في ذلك، فلا تهجموا على العورات.

وقوله { فإن لم تجدوا فيها أحداً } يعني ان لم تعلموا فى البيوت احداً يأذن لَكم فى الدخول " فلا تدخلوها " لانه ربما كان فيما ما لا يجوز أن تطلعوا عليه إلا بعد أن يأذن اربابها في ذلك، يقال: وجد اذا علم.

وقوله { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا } أي لا تدخلوا إذا قيل لكم: لا تدخلوا، فان ذلك { أزكى لكم } اي اطهر { والله بما تعملون عليم } أي عالم بأعمالكم لا يخفى عليه شيء منها.

ثم قال { ليس عليكم جناح } أي حرج وإثم { ان تدخلوا بيوتاً غيرمسكونة فيها متاع لكم } أي منافع. وقيل: في معنى هذه البيوت أربعة اقوال:

احدها - قال قتادة: هي الخانات، فان فيها استمتاعاً لكم من جهة نزولها، لا من جهة الأثاث الذي لكم فيها.

والثاني - قال محمد بن الحنفية: هي الخانات التي تكون في الطرق مسبلة. ومعنى { غير مسكونة } اي لا ساكن لها معروف.

والثالث - قال عطاء: هي الخرابات للغائط والبول.

والرابع - قال ابن زيد: هي بيوت التجار التي فيها امتعة الناس.

وقال قوم: هي بيوت مكة. وقال مجاهد: هي مناخات الناس فى اسفارهم يرتفقون بها. وقال قوم: هي جميع ذلك حملوه على عمومه لأن الاستئذان إنما جاء لئلا يهجم على ما لا يجوز من العورة.

السابقالتالي
2