الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱلْمُنْكَرِ وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَىٰ مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَلاَ يَأْتَلِ أُوْلُواْ ٱلْفَضْلِ مِنكُمْ وَٱلسَّعَةِ أَن يُؤْتُوۤاْ أُوْلِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلْيَعْفُواْ وَلْيَصْفَحُوۤاْ أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ ٱللَّهُ دِينَهُمُ ٱلْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ ٱلْمُبِينُ }

قرأ ابو جعفر المدني " ولا يتأل " على وزن (يتفعل) الهمزة مفتوحة بعد التاء، واللام مشددة مفتوحة. الباقون " يأتل " على وزن (يفتعل). الهمزة ساكنة. وقرأ اهل الكوفة إلا عاصماً " يوم يشهد " بالياء، لان تأنيث الألسنة ليس بحقيقي، ولانه حصل فصل بين الفعل والفاعل. الباقون بالتاء، لان الألسنة مؤنثة.

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين المعترفين بتوحيد الله المصدقين لرسله، ينهاهم فيه عن اتباع خطوات الشيطان، وخطوات الشيطان تخطية الحلال الى الحرام. والمعنى لا تسلكوا مسالك الشيطان، ولا تذهبوا مذهبه، والاتباع الذهاب فيما كان من الجهات التي يدعو الداعي اليها بذهابه فيها، فمن وافق الشيطان فيما يدعو اليه من الضلال، فقد اتبعه. والاتباع اقتفاء أثر الداعي الى الجهة بذهابه فيها، وهو بالتثقيل والتخفيف بمعنى الاقتداء به. والمعنى لا تتبعوا الشيطان بموافقته فيما يدعو اليه. ثم قال { ومن يتبع خطوات الشيطان } فيما يدعوه اليه { فإنه } يعني الشيطان { يأمر بالفحشاء } يعني القبائح { والمنكر } من الأفعال. والفحشاء كل قبيح عظيم. والمنكر الفساد الذي ينكره العقل ويزجر عنه.

ثم قال تعالى { ولو لا فضل الله عليكم ورحمته } بان يلطف لكم، ويزجركم عن ارتكاب المعاصي { ما زكى منكم من أحد أبداً } فـ (من) زائدة، والمعنى ما فعل احد منكم الافعال الجميلة إلا بلطف من جهته أو وعيد من قبله. وقال ابن زيد: معناه لولا فضل الله ما أسلم احد منكم.

وفى ذلك دلالة على أن احداً لا يصلح في دينه إلا بلطف الله (عز وجل) له، لأن ذلك عام لجميع المكلفين الذين يزكون بهذا الفضل من الله.

وقوله { ولكن الله يزكي من يشاء } معناه من يعلم أن له لطفاً يفعله به ليزكو عنده. وقيل: يزكي من يشاء بالثناء عليه. والأول أجود { والله سميع عليم } معناه إنه يفعل المصالح والالطاف على ما يعلمه من المصلحة للمكلفين. لانه يسمع أصواتهم ويعلم أحوالهم.

وفي الآية دلالة على أنه تعالى يريد لخلقه خلاف ما يريده الشيطان، لأنه ذكره عقيب قوله { يأمر بالفحشاء والمنكر }.

وقوله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة } فالايتلاء القسم، يقال آلى يؤلي إيلاء إذا حلف على أمر من الأمور، ويأتل (يفتعل) من الالية على وزن (يقتضي) من القضية، ومن قرأ { يتألّ } فعلى وزن (يتفعل)، والمعنى لا يحلف أن لا يؤتي.

وقال ابن عباس وعائشة وابن زيد: إن الآية نزلت فى أبي بكر، ومسطح بن أثاثة، وكان يجري عليه، ويقوم بنفقته، فقطعها وحلف ان لا ينفعه أبداً، لما كان منه من الدخول مع أصحاب الافك فى عائشة، فلما نزلت هذه الآية عاد أبو بكر له الى ما كان، وقال: والله اني لأحب ان يغفر الله لي، والله لا أنزعها عنه ابداً.

السابقالتالي
2