الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُوا بِٱلإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلإِثْمِ وَٱلَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ } * { لَّوْلاَ جَآءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِالشُّهَدَآءِ فَأُوْلَـٰئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَاذِبُونَ } * { وَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ }

يقول الله تعالى مخاطباً لأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) { إن الذين جاؤا بالإفك } يعني الذين أتوا بالافك، وهو الكذب الذي قلب فيه الأمر عن وجهه، واصله الانقلاب، ومنه (المؤتفكات) وأفك يأفك افكاً إذا كذب. لانه قلب المعنى عن حقه الى باطله، فهو آفك، مثل كاذب،

وقوله { عصبة منكم } يعني جماعة منكم، ومنه قولهليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة } ويقال: تعصب القوم إذا اجتمعوا على هيئة، فشد بعضهم بعضاً. والعصبة فى النسب العشيرة المقتدرة، لانه يجمعها التعصب.

وقال ابن عباس: منهم (عبد الله بن أبي بن سلول) وهو الذي تولى كبره، وهو من رؤساء المنافقين. و (مسطح بن اثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش) وهو قول عائشة، وكان سبب الافك ان عائشة ضاع عقدها في غزوة بني المصطلق، وكانت تباعدت لقضاء الحاجة، فرجعت تطلبه، وحمل هودجها على بعيرها ظناً منهم بها أنها فيه، فلما صارت الى الموضع وجدتهم قد رحلوا عنه، وكان صفوان ابن معطل السلمي الذكواني من وراء الجيش فمر بها، فلما عرفها أناخ بعيره حتى ركبته، وهو يسوقه حتى أتى الجيش بعد ما نزلوا فى قائم الظهيرة. هكذا رواه الزهري عن عائشة.

وقوله { لا تحسبوه شرّاً لكم بل هو خير لكم } خطاب لمن قرب بالافك من عائشة، ومن اغتم لها، فقال الله تعالى لا تحسبوا غم الافك شراً لكم بل هو خير لكم، لان الله (عز وجل) يبرئ ساحته ببراءتها، وينفعها بصبرها واحتسابها، وما ينل منها من الاذى والمكروه الذي نزل بها، ويلزم أصحاب الافك ما استحقوه بالاثم الذى ارتكبوه فى أمرها.

ثم اخبر تعالى فقال { لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم } أي له جزاء ما اكتسب من الاثم من العقاب.

ثم قال { والذي تولى كبره منهم } يعني (ان ابي بن سلول) تحمل ومعظمه و (كبره) مصدر من معنى الكبير من الامور. قال ابو عبيدة: فرقوا بينه وبين مصدر الكبر فى السنّ، يقال: فلان ذو كبر أي ذو كبرياء. وقرأ ابو جعفر المدني بضم الكاف. الباقون بكسرها، فالكبر بضم الكاف من كبر السن، وهو كبير قومه أي معظمهم، والكبر والعظم واحد. وقيل: دخل حسان على عائشة فانشدها قوله فى بيته:
حصان رزان ما تزن بريبة   وتصبح غرثى من لحوم القوافل
فقالت له: لكنك لست كذلك. وقوله { له عذاب عظيم } يعني جزاء على ما اكتسبه من الاثم. وقوله { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً } معناه هلا حين سمعتم هذا الافك من القائلين ظن المؤمنون بالمؤمنين الذين هم كانفسهم خيراً، لان المؤمنين كلهم كالنفس الواحدة فيما يجري عليها من الامور، فاذا جرى على أحدهم محنة، فكأنه جرى على جماعتهم، وهو كقوله

السابقالتالي
2