الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } * { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ٱرْجِعُونِ } * { لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَآئِلُهَا وَمِن وَرَآئِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ }

امر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يدفع السيئة من إساءة الكفار اليه بالتي هي أحسن منها. ومعنى ذلك انهم إذا ذكروا المنكر من القول - الشرك - ذكرت الحجة فى مقابلته وذكرت الموعظة التي تصرف عنه الى ضده من الحق، على وجه التلطف في الدعاء اليه، والحث عليه، كقول القائل: هذا لا يجوز، وهذا خطأ، وعدول عن الحسن. وأحسن منه أن يوصل بذكر الحجة والموعظة كما بينا. وقال الحسن: { بالتي هي أحسن } الاغضاء والصفح. وقيل: هو خطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) والمراد به الأمة، والمعنى إدفع الأفعال السيئة بالافعال الحسنة التي ذكرها.

وقوله { نحن أعلم بما يصفون } معناه نحن اعلم منهم بما يستحقون به من الجزاء في الوقت الذي يصلح الأخذ بالعقوبة إذا انقضى الأجل المضروب بالامهال. ثم قال له { قل } يا محمد، وادع فقل يا { رب أعوذ بك من همزات الشياطين } أي نزغاتهم ووساوسهم، فمعنى { أعوذ } اعتصم بالله من شر الشياطين، فى كل ما يخاف من شره. والمعاذة هي التي يستدفع بها الشر، والهمزات دفعهم بالاغواء الى المعاصي، والهمز شدة الدفع. ومنه الهمزة: الحرف الذي يخرج من أقصى الحلق باعتماد شديد. والعياذ طلب الاعتصام من الشر { وأعوذ بك رب أن يحضرون } هؤلاء الشياطين فيوسوسون لي ويغووني عن الحق.

وقوله { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون } اخبار من الله تعالى عن أحوال هؤلاء الكفار، وانه إذا حضر أحدهم الموت، واشرف عليه سأل الله عند ذلك و { قال رب ارجعون } أي ردني الى دار التكليف { لعلي أعمل صالحاً } من الطاعات وأتلافى ما تركته، وانما قال { رب ارجعون } على لفظ الجمع لأحد امرين:

احدهما - انهم استعانوا أولا بالله، ثم رجعوا الى مسألة الملائكة بالرجوع الى الله - في رواية ابن جريج.

والثاني - انه جرى على تعظيم الذكر في خطاب الواحد بلفظ الجمع لعظم القدر كما يقول ذلك المتكلم، قال الله تعالىإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقالولقد خلقنا الإنسان } وما جرى مجراه. وروى النضر بن سمأل قال: سئل الخليل عن قوله { رب ارجعون } ففكر ثم قال: سألتموني عن شيء لا أحسنه ولا أعرف معناه، والله أعلم، لانه جمع، فاستحسن الناس منه ذلك.

فقال الله تعالى فى الجواب عن سؤالهم { كلا } وهي كلمة ردع وزجر أي حقاً { إنها كلمة } فالكناية عن الكلمة والتقدير: ان الكلمة التي قالوها { كلمة هو قائلها } بلسانه. وليس لها حقيقة، كما قالولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه } وقوله { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } فالبرزخ الحاجز - وها هنا - هو الحاجز بين الموت والبعث - في قول ابن زيد - وقال مجاهد: هو الحاجز بين الموت والرجوع الى الدنيا.

السابقالتالي
2