الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنْشَأَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ ٱخْتِلاَفُ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

يقول الله تعالى انا اخذنا هؤلاء الكفار الذين ذكرناهم بالعذاب. وقيل: هو الجدب وضيق الرزق، والقتل بالسيف { فما استكانوا لربهم } أي لم يذلوا عند هذه الشدائد، ولم يتضرعوا اليه، فيطلبوا كشف البلاء منه تعالى عنهم بالاستكانة له، والاستكانة طلب السكون خوفاً من السطوة. يقال: استكان الرجل استكانة إذا ذل عند الشدة.

وقوله { حتى إذا فتحنا عليهم باباً ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون } فالفتح فرج الباب بطريق يمكن السلوك فيه، فكأنه فتح عليهم باباً أتاهم منه العذاب. وقيل: ان ذلك حين دعا النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: " اللهم سنين كسني يوسف " فجاعوا حتى أكلوا العلهز وهو الوبر بالدم فى قول مجاهد.

وقال ابن عباس: هو القتل يوم بدر. وقال الجبائي فتحنا عليهم باباً من عذاب جهنم فى الآخرة.

والابلاس الحيرة لليأس من الرحمة، يقال: أبلس فلان إبلاساً إذا بهت عند انقطاع الحجة.

وقوله { وهو الذي أنشأكم } أي أوجدكم، واخترعكم من غير سبب { وجعل لكم السمع والأبصار } أي وخلق لكم السمع تسمعون به الاصوات والابصار تبصرون بها المرئيات وخلق لكم { الأفئدة } وهو جمع فؤاد، وهو القلب { قليلاً ما تشكرون } نصب { قليلاً } على المصدر و { ما } صلة، وتقديره تشكرون قليلا لهذه النعم التي أنعم بها عليكم.

ثم قال { وهو الذي ذرأكم } اي خلقكم وأوجدكم { في الأرض وإليه تحشرون } يوم القيامة، فيجازيكم على أعمالكم إما الثواب أو العقاب. والمراد إلى الموضع الذي يختص تعالى بالتصرف فيه، ولا يبقى لاحد هناك ملك. وقال الفراء: وهو الذي خلق السماوات والارض أي اخترعهما، وانشأهما، وقدرهما على ما فيهما من انواع المخلوقات، ليدل بها على توحيده وألا إله سواه { وله اختلاف الليل والنهار } اي له مرورهما يوماً بعد ليلة. وليلة بعد يوم، كما يقال إذا اتى الرجل الدار مرة بعد مرة: هو يختلف الى هذه الدار. وقيل: معناه وله تدبيرهما بالزيادة والنقصان.

ثم قال { أفلا تعقلون } فتفكرون في جميع ذلك، فتعلمون انه لا يستحق الالهية سواه، ولا تحسن العبادة إلا له.