الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } * { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَـٰذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِّن دُونِ ذٰلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } * { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } * { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } * { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ }

يقول الله تعالى مخبراً عن نفسه { لا نكلف نفساً إلا وسعها } يعنى إلا على قدر طاقتها وقوتها، ومثله قوله تعالىلا يكلف الله نفساً إلا وسعها } والوسع الحال التي يتسع بها السبيل الى الفعل. وقيل: إن الوسع دون الطاقة. والتكليف تحميل ما فيه المشقة بالأمر والنهي والاعلام، وهو مأخوذ من الكلفة فى الفعل، والله تعالى مكلف عباده تعريضاً لهم للنفع الذي لا يحسن الابتداء بمثله، وهو الثواب.

وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة: فى تكليف ما لا يطاق، لأنه لو كلف ما لا يطيقه العبد لكان قد كلفه ما ليس في وسعه. والآية تمنع من ذلك.

وقوله { ولدينا كتاب ينطق بالحق } يريد الكتاب الذي فيه اعمال العباد مكتوبة من الطاعة والمعصية تكتبه عليه الملائكة الموكلون به كما قالما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد } ثم أخبر تعالى { إنهم لا يظلمون } أي لا يؤاخذون بما لا يفعلونه ولا ينقصون عما استحقوه.

ثم اخبر تعالى فقال { بل قلوبهم في غمرة من هذا } اى فى غفلة من هذا اليوم، وهذه المجازاة. وقال الحسن: معناه في حيرة. وهذا اخبار منه تعالى بما يكون منهم في المستقبل من الاعمال القبيحة، زائدة على ما ذكره وحكاه أنه فعلهم { ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون } قيل فى معناه قولان:

احدهما - قال قتادة وابو العالية - وفى رواية عن مجاهد - ان لهم خطايا من دون الحق.

والثاني - قال الحسن وابن زيد - وفى رواية عن مجاهد - ايضاً: أعمالا من دون ما هم عليه لا بد من ان يعملوها. وقوله { حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون } فالمترف المتقلب في لين العيش ونعومته. ومنه قولهوأترفناهم في الحياة الدنيا } و { يجأرون } معناه يضجون، لشدة العذاب. وقال ابن عباس: يستغيثون. وقال مجاهد: كان ذلك بالسيوف يوم بدر، والجؤار: رفع الصوت، كما يجأر الثور، قال الاعشى:
يراوح من صلوات المليـ   ك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا
وقيل معنى { يجأرون } يصرخون بالتوبة، فيقول الله لهم { لا تجأروا اليوم } أي لا تصرخوا فى هذا اليوم { إنكم منا لا تنصرون } بقبول التوبة، ولا لكم من يدفع عنكم ما أفعله من العذاب. ثم يقول الله تعالى لهم { قد كانت آياتي } أي حججي وبراهيني { تتلى عليكم } من القرآن وغيره { فكنتم على أعقابكم تنكصون } فالنكص الرجوع القهقرى وهو المشي على الاعقاب الى خلف، وهو أقبح مشية. مثل شبه الله به أقبح حال فى الاعراض عن الداعي الى الحق. وقال سيبويه: لأنه يمشي ولا يرى ما وراءه، فهو النكوص. وقال مجاهد: ينكصون معناه يستأخرون. وقيل: يدبرون. وقوله { مستكبرين } نصب على الحال، ومعناه { تنكصون } فى حال تكبركم عن الانقياد لحجج الله، والاجابة لانبيائه.

السابقالتالي
2