الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { وَقَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي ٱلْحَيـاةِ ٱلدُّنْيَا مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ } * { وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِّثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُّخْرَجُونَ } * { هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ }

قرأ ابو جعفر { هيهات هيهات } بكسر التاء. الباقون بفتحها. ولا خلاف فى ترك التنوين فيهما.

يقول الله تعالى { إنا أنشأنا } واخترعنا، من بعد إهلاك قوم نوح بالطوفان { قوماً آخرين } والانشاء والاختراع واحد، وكلما يفعل الله تعالى، فهو إنشاء واختراع. وقد يفعل الله تعالى الفعل عن سبب بحسب ما تقتضيه المصلحة. والقرن أهل العصر لمقارنة بعضهم لبعض، ومنه قرن الكبش لمقارنته القرن الآخر، ومنه القرينة، وهي الدلالة التي تقارن الكلام. وقوله { فأرسلنا فيهم رسولاً منهم } اخبار منه تعالى انه أرسل رسولا فى القرن الذي انشاهم من بعد قوم نوح. وقال قوم: هو صالح وقيل: هود، لأنه المرسل بعد نوح { أن اعبدو الله ما لكم من إله غيره } أي ارسلناه بأن يقول لهم: اعبدوا الله وحده لا شريك له. ويقول لهم: ما لكم معبود سواه، وأن يخوفهم إذا خالفوه. ويقول لهم { أفلا تتقون } عذاب الله، واهلاكه بارتكاب معاصيه، فموضع (أن) من الاعراب نصب. وتقديره بأن اعبدوا الله، فلما حذفت الباء نصب بـ { أرسلنا }.

وقوله { وقال الملأ من قومه } يعني - الاشراف، ووجوههم - قالوا لغيرهم { الذين كفروا } بالله وكذبوا بآياته وحججه وبيناته، وجحدوا { وكذبوا بلقاء الآخرة } والبعث والنشور يوم القيامة. وقوله { وأترفناهم في الحياة الدنيا } والاتراف التنعم بضروب الملاذ، وذلك أن التنعيم قد يكون بنعيم العيش، وقد يكون بنعيم الملبس، فالاتراف بنعيم العيش قال الراجز:
وقد أراني بالديار مترفاً   
وقوله { ما هذا إلا بشر مثلكم } أي ليس هذا الذي يدعي النبوة من قبل الله إلا بشراً مثلكم { يأكل مما تأكلون منه } من الاطعمة { ويشرب مما تشربون منه } من الاشربة. ثم قالوا لهم { لئن أطعتم بشراً مثلكم } وعلى هيئتكم وأحوالكم { إنكم إذاً لخاسرون } فجعلوا اتباع الرسول خسرانا، لأنه بشر مثلهم، ولم يجعلوا عبادة الصنم خسراناً، لانه جسم مثلهم، وهذا مناقضة ظاهرة.

ثم حكى انهم قالوا لغيرهم { أيعدكم } هذا الذي يدعي النبوة من قبل الله { أنكم إذا متم وكنتم تراباً وعظاماً } ورفاتاً { إنكم مخرجون } وقيل في خبر { إن } الاول قولان:

احدهما - انه قوله { مخرجون } وتكون الثانية للتأكيد.

والثاني - ان يكون الخبر الجملة، وتقديره: أيعدكم انكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إخراجكم. ونظير تكرير (ان) قولهألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم } يعني فله نار جهنم - ذكره الزجاج - إلا ان هذه الثانية عملت فى غير ما عملت فيه الأولى. وإنما هي بمنزلة المكرر في المعنى. وموضع " إنكم " الأولى نصب، وتقديره: ايعدكم بأنكم. وموضع { إن } الثانية كموضع الأولى، وانما ذكرت تأكيداً، والمعنى: أيعدكم أنكم تخرجون إذا متم، فلما بعد ما بين (ان) الأولى، والثانية بقوله { إذا كنتم تراباً وعظاماً } أعيد ذكر (أن).

السابقالتالي
2