الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآئِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ ٱلْخَلْقِ غَافِلِينَ } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّٰهُ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَٰدِرُونَ } * { فَأَنشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِٱلدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ }

قرأ اين كثير ونافع وابو عمرو " سيناء " بكسر السين، ولم يصرف، لأنه إسم البقعة. الباقون بفتح السين. وقرأ ابن كثير وابو عمرو " تنبت " بضم التاء وكسر الباء. الباقون بفتح التاء وضم الياء. من كسر السين من " سيناء " ، فلقولهطور سينين } والسيناء الحسن، وكل جبل ينبت الثمار فهو سينين. ومن فتح السين، فلأنه لغتان. وأصله سرياني، ومن فتح السين لا يصرفه في المعرفة ولا النكرة، لأن الهمزة في هذا البناء لا تكون إلا للتأنيث، ولا تكون للالحلاق، لأن (فعلال) لا يكون إلا فى المضاعف مثل (الزلزال والقلقال) ومن كسر السين، فالهمزة عنده منقلبة عن الياء كـ (علياء، وحوباء) وهي التي تظهر فى قولك (سيناية) لما بنيت للتأنيث. وانما لم يصرف على هذا القول، وإن كان غير مؤنث، لأنه جعل اسم بقعة أو ارض، فصار بمنزلة امرأة سميت بـ (جعفر). ومن ضم التاء من " تنبت " لم يعده بالباء، وأراد تنبت الدهن. قال ابو علي الفارسي: ويحتمل أن يكون الباء متعلقاً بغير هذا الفعل الظاهر، وتقدر مفعولا محذوفاً، وتقديره: تنبت ثمرها وفيها دهن وصبغ. ومن فتح التاء عدى الفعل بالباء. كقولهم: ذهبت يزيد وأذهبت زيداً، ويجوز أن يكون الباء في موضع الحال، ولا يكون للتعدي. مثل ما قلناه فى الوجه الأول وتقديره تنبت وفيها دهن.

يقول الله تعالى { ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق } يعني سبع سماوات، خلقها الله فوق الخلائق، وسماها طرائق، لأن كل طبقة طريقة. وقال الجبائي: لأنها طرائق للملائكة، وقال ابن زيد: الطرائق السماوات الطباق. وقال الحسن: ما بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام وكذلك ما بين السماء والارض.

وقوله { وما كنا عن الخلق غافلين } معناه ما كنا غافلين ان ينزل عليهم ما يحييهم من المطر. ويحتمل أن يكون أراد ما كنا غافلين عن أفعالهم، وما يستحقون بها من الثواب والعقاب، بل نحن عالمون بجميع ذلك. وقيل { وما كنا عن الخلق غافلين } بل كنا حافظين للسماء من أن تسقط عليهم، فتهلكهم. والغفلة ذهاب المعنى عن النفس. ومثله السهو، فالعالم لنفسه لا يجوز عليه الغفلة، لأنه لا شيء إلا وهو عالم به. وإنما ذكر الغفلة بعد الطرائق، لأن من جاز عليه الغفلة عن العباد جاز عليه الغفلة عن الطرائق التي فوقهم، فتسقط عليهم، فأمسك الله تعالى طرائق السموات أن تقع على الارض إلا باذنه. ولولا إمساكه لها لم تقف طرفة عين.

وقوله { وأنزلنا من السماء ماء بقدر } أي أنزلنا المطر والغيث بقدر الحاجة، لا يزيد على قدر الحاجة، فيفسد، ولا ينقص عنها فيهلك، بل وفق الحاجة.

وقوله { فأسكناه في الأرض } يعني انه تعالى أسكن الماء المنزل من السماء في الارض واثبته في العيون والأودية.

السابقالتالي
2