الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱرْكَعُواْ وَٱسْجُدُواْ وَاعْبُدُواْ رَبَّكُمْ وَٱفْعَلُواْ ٱلْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَجَاهِدُوا فِي ٱللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ ٱجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـٰذَا لِيَكُونَ ٱلرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَٱعْتَصِمُواْ بِٱللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }

لما اخبر الله تعالى عن نفسه بأنه { سميع بصير } وصف أيضاً نفسه بأنه { يعلم ما بين أيديهم } يعني ما بين أيدي الخلائق من القيامة وأحوالها، وما يكون فى مستقبل أحوالهم، { وما خلفهم } أي ما يخلفونه من دنياهم. وقال الحسن: يعلم ما بين أيديهم: أول اعمالهم، وما خلفهم آخر أعمالهم { وإليه ترجع الأمور } يعني يوم القيامة ترجع جميع الأمور الى الله تعالى بعد ان كان ملكهم فى دار الدنيا منها شيئاً كثيراً.

ثم خاطب تعالى المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا } أي صلوا، على ما امرتكم به، من الركوع والسجود فيها { واعبدوا ربكم } الذي خلقكم ولا تشركوا به شيئاً { وافعلوا الخير } والخير النفع الذي يجلّ موقعه، وتعم السلامة به، ونقيضه الشر، وقد أمر الله بفعل الخير، ففعله طاعة له.

وقوله { لعلكم تفلحون } أي افعلوا الخير لكي تفوزوا بثواب الجنة وتتخلصوا من عذاب النار. وقيل معناه افعلوه على رجاء الصلاح منكم بالدوام على افعال الخير واجتناب المعاصي والفوز بالثواب.

ثم أمرهم بالجهاد فقال { وجاهدوا في الله حق جهاده } قال ابن عباس: معناه جاهدوا المشركين، ولا تخافوا فى الله لومة لائم، وقال الضحاك: معناه اعملوا بالحق لله حق العمل.

وقوله { هو اجتباكم } فالاجتبا هو اختيار الشيء لما فيه من الصلاح. وقيل: معناه اختاركم لدينه. وجهاد اعدائه، والحق يجتبى، والباطل يتقى، ولا بد أن يكون ذلك خطاباً متوجهاً الى من اختاره الله بفعل الطاعات، دون أن يكون ارتكب الكبائر الموبقات. وإن كل سبق منه جهاد فى سبيل الله.

وقوله { وما جعل عليكم في الدين من حرج } معناه لم يجعل عليكم ضيقاً في دينكم، ولا ما لا مخرج منه. وذلك أن منه ما يتخلص منه بالتوبة، ومنه ما يتخلص منه برد المظلمة، وليس في دين الاسلام ما لا سبيل الى الخلاص من عقابه. وفيه من الدليل كالذي فى قولهولو شاء الله لأعنتكم } على فساد مذهب المجبرة في العدل. ومثله قولهلا يكلف الله نفساً إلا وسعها } وقوله { ملة أبيكم إبراهيم } يحتمل نصب { ملة } وجهين:

احدهما - اتبعوا { ملة أبيكم } وإلزموا، لان قبله { جاهدوا في الله حق جهاده }

والاخر - كملة أبيكم إلا انه لما حذف حرف الجر اتصل الاسم بالفعل فنصب. وقال الفراء: نصبه بتقدير: وسع ملتكم، كما وسع ملة أبيكم. وقوله { ملة أبيكم إبراهيم } معناه انه يرجع جميعهم الى ولادة ابراهيم، وافاد هذا ان حرمة ابراهيم على المسلمين كحرمة الوالد على الولد، كما قالوأزواجه أمهاتهم } في قول الحسن.

وقوله { هو سماكم المسلمين } قال ابن عباس ومجاهد: الله سماكم المسلمين، فهو كناية عن الله. وقال ابن زيد: هو كناية عن ابراهيم وتقديره ابراهيم سماكم المسلمين بدليل قوله