الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِٱلَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَٰتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكُمُ ٱلنَّارُ وَعَدَهَا ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَٱسْتَمِعُواْ لَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُبَاباً وَلَوِ ٱجْتَمَعُواْ لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيْئاً لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ ٱلطَّالِبُ وَٱلْمَطْلُوبُ } * { مَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ ٱللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ } * { ٱللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }

يقول الله تعالى مخبراً عن حال الكفار الذين يعبدون مع الله الاصنام، والاثان: انهم { يعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطاناً } أي لا حجة ولا برهاناً، وإنما قيل للبرهان سلطان، لانه يتسلط على انكار المنكر، فكل محق فى مذهبه، فله برهان يتسلط به على الانكار لمذهب خصمه.

وقوله { وما ليس لهم به علم } معناه ولا هو معلوم لهم ايضاً من جهة الدلالة، لان الانسان قد يعلم صحة أشياء يعمل بها من غير برهان أدى اليها كعلمه بوجوب شكر المنعم، ووجوب رد الوديعة، ومدح الحسن وذم المسيء، وغير ذلك، مما يعلمه بكمال عقله، وإن لم يكن معلوماً بحجة، فلذلك قال { وما ليس لهم به علم }.

ثم اخبر انه ليس { للظالمين } أنفسهم بارتكاب المعاصي وترك المعرفة بالله من ينصرهم ويدفع عنهم عذاب الله إذا نزل بهم.

ثم اخبر تعالى عن حال الكفار وشدة عنادهم، فقال { وإذا تتلى عليهم آياتنا } يعني من القرآن وغيره من حجج الله تعالى الظاهرات البينات { تعرف } يا محمد { في وجوه الذين كفروا } بنعم الله، وجحدوا ربوبيته { المنكر } من القول { يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا } فالسطوة اظهار الحال الهائلة للاخافة، يقال: سطا عليه سطوة وسطواً وسطا به ايضاً فهو ساط. والانسان مسطو به. والانسان يخاف سطوات الله ونقماته. والسطوة والاستطالة والبطشة نظائر في اللغة. والمعنى إن هؤلاء الكفار إذا سمعوا آيات الله تتلى عليهم، قاربوا أن يوقعوا بمن يتلوها المكروه.

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { قل } يا محمد { أفأنبؤكم بشر من ذلكم } أي بشر من اعتدائكم على التالي لآيات الله. وقيل: بشر عليكم مما يلحق التالي منهم. ثم ابتدأ فقال { النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير } وقيل التقدير كان قائلا قال ما ذلك الشر؟ فقيل { النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير } اي بئس الموضع، وكان يجوز في { النار } الجر على البدل من { ذلكم } لأنه في موضع جر بـ { من } وكان يجوز النصب بمعنى أعرفكم شراً من ذلكم النار، والذي عليه القراء الرفع. ثم اخبر تعالى عن النار بأن الله وعدها الذين كفروا وبئس المرجع.

ثم خاطب جميع المكلفين من الناس، فقال { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له } يعني ضرب مثل، جعل، كقولهم ضرب على أهل الذمة الجزية، لأنه كالتثبيت شبهه بالضرب المعروف، وكذلك الضربة. والمثل: شبه حال الثاني بالأولى فى الذكر الذي صار كالعلم. ومن حكم المثل أن لا يتغير، لأنه صار كالعلم. كقولهم " أطري انك فاعلة ".

ثم قال { إن الذين تدعون من دون الله } قرأ يعقوب بالياء على الخبر الباقون بالتاء على الخطاب، كقوله { يا أيها الناس }.

السابقالتالي
2