الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ ٱلإِنْسَانَ لَكَفُورٌ } * { لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي ٱلأَمْرِ وَٱدْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { ٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّ ذٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ }

لما ذكر الله تعالى انه الذي سخر للخلق ما في الارض من الحيوان وذللها لهم واجرى الفلك فى البحر، كنا عنه بأن قال { وهو الذي أحياكم } ايضاً بعد ان لم تكونوا كذلك، يقال أحياه الله، فهو محي له { ثم يميتكم } بعد هذا الاحياء { ثم يحييكم } يوم القيامة للحساب إما الى الجنة، وإما الى النار ثم اخبر عن الانسان بانه { كفور } أي جحود لنعم الله بما فعل به من انواع النعم، وجحوده ما ظهر من الآيات الدالة على الحق في كونه قادراً على الاحياء والاماتة. والاحياء بعدها، لا يعجزه شيء من ذلك.

ثم اخبر تعالى أن { لكل أمة منسكاً } أي مذهباً { هم ناسكوه } أي يلزمهم العمل به. وقيل: المنسك جميع العبادات التي أمر الله بها. وقيل: المنسك الموضع المعتاد لعمل خير او شر، وهو المألف لذلك. ومناسك الحج من هذا، لأنها مواضع العبادات فيه، فهي متعبدات الحج. وفيه لغتان فتح السين، وكسرها. وقال ابن عباس { منسكاً } اي عيداً. وقال مجاهد وقتادة: متعبداً في إراقة الدم بمنى، وغيرها.

وقوله { فلا ينازعنك في الأمر } لانهم كانوا يقولون: أتأكلون ما قتلتم، ولا تأكلون الميتة التى قتلها الله. وقيل: { لا ينازعنك في الأمر } نهي لهم عن منازعة النبي (صلى الله عليه وسلم) وقيل: نهي له لان المنازعة تكون من اثنين، فاذا وجه النهي الى من ينازعه، فقد وجه اليه. وقرئ { فلا ينزعنك } والمعنى لا يغلبنك على الامر.

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { وادع إلى ربك } يا محمد { إنك لعلى هدى مستقيم } أي على طريق واضح. ثم قال { وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون } معناه إن جادلوك على وجه المراء والتعنت الذي يعمله السفهاء، فلا تجادلهم على هذا الوجه، وادفعهم بهذا القول. وقل { الله أعلم بما تعملون } وهذا أدب من الله حسن، ينبغي أن يأخذ به كل احد { الله يحكم بينكم } أي يفصل بينكم { يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون } من توحيد الله وصفاته واخلاص عبادته، وألا نشرك به غيره.

ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) { ألم تعلم } والمراد به جميع المكلفين { أن الله يعلم ما في السماء والأرض } من قليل وكثير، لا يخفى عليه شيء من ذلك { إن ذلك في كتاب } يعني مثبتاً في اللوح المحفوظ الذي أطلع عليه ملائكته { إن ذلك على الله يسير } أي سهل غير متعذر.