الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَآ أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى ٱلأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَىٰ ٱلْقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ } * { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ ٱللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ } * { وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } * { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَآ أَنَاْ لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ }

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي " مما يعدّون " بالياء، على الخبرعن الكفار. الباقون بالتاء، على الخطاب.

لما اخبر الله تعالى عن اهلاك الامم الماضية جزاء على كفرهم ومعاصيهم، نبه الذين يرتابون بذلك. فقال { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها } إذا شاهدوا آثار ما أخبرنا به، وسمعوا صحة ما ذكرناه عمن أخبرهم بصحته من الذين عرفوا أخبار الماضين. وفيها دلالة على أن العقل هو العلم، لان معنى { يعقلون بها } يعلمون بها مدلول ما يرون من العبرة. وفيها دلالة على أن القلب محل العقل والعلوم، لأنه تعالى وصفها بأنها هي التي تذهب عن إدراك الحق، فلولا أن التبيين يصح أن يحصل فيها، لما وصفها بأنها تعمى، كما لا يصح أن يصف اليد والرجل بذلك. والهاء في { إنها لا تعمى } هاء عماد، وهو الاضمار على شروط التفسير، وانما جاز أن يقول: ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، للتأكيد لئلا يتوهم بالذهاب الى غير معنى القلب، لانه قد يذهب الى ان فيه اشتراكا كقلب النخلة، فاذا قيل هكذا كان أنفى للبس بتجويز الاشتراك واما قولهيقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم } فلان القول قد يكون بغير الفم. والمعنى فى الآية ان الابصار وإن كانت عمياً، فلا تكون فى الحقيقة كذلك، اذا كان عارفاً بالحق. وانما يكون العمى عمى القلب الذي يجحد معه معرفة الله ووحدانيته.

ثم قال { ويستعجلونك } يا محمد { بالعذاب } أن ينزل عليهم، ويستبطؤنه، وان الله لا يخلف ما يوعد به { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة: يوم من أيام الآخرة، يكون كألف سنة من ايام الدنيا. وقال ابن زيد، وفى رواية اخرى عن ابن عباس: انه أراد يوماً من الأيام التي خلق الله فيها السموات والارض. والمعنى { وإن يوماً عند ربك } من ايام العذاب، في الثقل والاستطالة { كألف سنة مما تعدون } في الدنيا، فكيف يستعجلونك بالعذاب لولا جهلهم، وهو كقولهم: ايام الهموم طوال، وايام السرور قصار.

قال الشاعر:
يطول اليوم لا القاك فيه   ويوم نلتقي فيه قصير
وأنشد ابو زيد:
تطاولن أيام معن بنا   فيوم كشهرين اذ يستهل
وقال جرير:
ويوم كأبهام الحبارى لهوته   
وقيل { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } في طول الامهال للعباد لصلاح من يصلح منهم، أو من نسلهم، فكأنه ألف سنة لطوال الأناة. وقيل { وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون } فى مقدار العذاب فى ذلك اليوم، أي انه لشدته وعظمه كمقدار عذاب ألف سنة من ايام الدنيا على الحقيقة. وكذلك نعيم الجنة، لأنه يكون فى مقدار يوم السرور والنعيم مثل ما يكون في الف سنة من أيام الدنيا لو بقي ينعم ويلتذ فيها.

السابقالتالي
2