قرأ ابو جعفر " وربأت ". الباقون (ربت). خاطب الله تعالى بهذه الآية جميع المكلفين من البشر. فقال لهم { إن كنتم في ريب من البعث } والنشور. والريب اقبح الشك { فإنا خلقناكم من تراب } قال الحسن: المعنى خلقنا آدم من تراب الذي هو أصلكم وأنتم نسله. وقال قوم: أراد به جميع الخلق، لانه إذا أراد انه خلقهم من نطفة، والنطفة يجعلها الله من الغذاء، والغذاء ينبت من التراب والماء، فكان أصلهم كلهم التراب، ثم أحالهم بالتدريج: الى النطفة، ثم أحال النطفة علقه، وهي القطعة من الدم جامدة. ثم أحال العلقة مضغة، وهي شبه قطعة من اللحم مضوغة. والمضغة مقدار ما يمضغ من اللحم. وقوله { مخلقة وغير مخلقة } قال قتادة: تامة الخلق، وغير تامة. وقيل: مصورة وغير مصورة. وهي السقط - فى قول مجاهد -. وقوله { لنبين لكم } معناه لندلكم على مقدورنا، بتصريفه فى ضروب الخلق وقوله { ونقرّ في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى } مستأنف، فلذلك رفع. وقال مجاهد: معناه نقره الى وقت تمامه. وقوله { ثم نخرجكم طفلا يعني نخرجكم } من بطون أمهاتكم، وانتم أطفال. والطفل الصغير من الناس، ونصب طفلا على المصدر، وهو فى موضع جمع. وقيل: هو نصب على التمييز، وهو جائز، وتقديره نخرجكم أطفالا، وقيل الطفل الى قبل مقاربة البلوغ. وقوله { ثم لتبلغوا أشدكم } يعني وقت كمال عقولكم وتمام خلقكم. وقيل: وقت الاحتلام والبلوغ، وهو جمع (شد). والأشد فى غير هذا الموضع قد بينا اختلاف المفسرين فيه. وقوله { ومنكم من يتوفى } يعني قبل بلوغ الاشد. وقيل: قبل أن يبلغ أرذل العمر { ومنكم من يرد إلى أرذل العمر } وقيل معناه أهونه واخسه عند أهله. وقيل: احقره. وقيل هي حال الخرف. وانما قيل: ارذل العمر، لان الانسان لا يرجو بعده صحة وقوة، وانما يترقب الموت والفناء، بخلاف حال الطفولية، والضعف الذي يرجو معها الكمال والتمام والقوة، فلذلك كان أرذل العمر. وقوله { لكيلا يعلم من بعد علم شيئاً } معناه إنا رددناه الى أرذل العمر لكي لا يعلم، لأنه يزول عقله من بعد أن كان عاقلا عالماً بكثرة من الاشياء، ينسا جميع ذلك. وقوله { وترى الأرض هامدة } اي دارسة داثرة يابسة، يقال: همد يهمد هموداً إذا درسته ودثرته. قال الاعشى:
قالت فتيلة ما لجسمك شاحباً
وأرى ثيابك باليات همدا
وقوله تعالى { فإذا أنزلنا عليها الماء } يعني الغيث والمطر { اهتزت وربت } فالاهتزاز شدة الحركة فى الجهات. والربو الزيارة فيها اي تزيد بما يخرج منها من النبات، وتهتز بما يذهب فى الجهات { وانبتت } يعني الارض { من كل زوج بهيج } فالبهيج الحسن الصورة، الذي يمتع فى الرؤية. وقال الزجاج: (ربت) و (ربأت) لغتان. وقال الفراء: ان ذهب ابو جعفر فى قراءته (ربأت) الى انه من الربئة التي تجر بين الناس، فهو مذهب. وإلا فهو غلط، ويلغط العرب كقولهم: حلأت السويق، ولبأت بالحج، ورثأت الميت. وقد قرأ الحسن البصري فى يونس { ولا أدرأكم به } وهو مما يرخص فى القراءة.