الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَمَرُواْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأُمُورِ } * { وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ } * { وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ } * { وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } * { فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ }

قرأ ابو عمرو وحده " أهلكتها " بالتاء. لقوله في الآية التي فيما بعد { فأمليت }. الباقون { أهلكناها } بالنون.

يقول الله تعالى { الذين إن مكناهم في الأرض } فـ { الذين } صفة من تقدم ذكره من المهاجرين في سبيل الله، وموضعه النصب، وتقديره { لينصرن الله من ينصره... الذين إن مكناهم } ومعناه أعطيناهم كل ما لا يصح الفعل إلا معه، لان التمكين إعطاء ما يصح معه الفعل، فان كان هذا الفعل لا يصح إلا بآلة، فالتمكين باعطاء تلك الآلة لمن فيه القدرة، وكذلك ان كان لا يصح الفعل إلا بعلم، ونصب دلالة، وصحة سلامة، ولطف وغير ذلك، فاعطاء جميع ذلك واجب. وإن كان الفعل يكفي - في صحة وجوده - مجرد القدرة، فخلق القدرة هو التمكين. ثم وصفهم. فقال: هؤلاء الذين هاجرو فى سبيل الله، { إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة } يعني ادوها بحقوقها، وقيل: معناه داموا عليها { وآتوا الزكاة } أي واعطوا ما افترض الله عليهم في أموالهم من الزكوات وغيرها { وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر }. وفي ذلك دلالة على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، لأن ما رغب الله فيه، فقد اراده، وكل ما أراده من العبد، فهو واجب إلا أن يقوم دليل على ذلك انه نفل، لان الاحتياط يقتضي ذلك. و { المعروف } هو الحق، وسمي معروفاً لأنه تعرف صحته. وسمي المنكر منكراً، لأنه لا يمكن معرفة صحته.

وقوله { ولله عاقبة الأمور } معناه تصير جميع الأملاك لله تعالى، لبطلان كل ملك سوي ملكه. ثم قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم) مسلياً له عن تكذيب قومه له وقلة قبولهم منه: { وإن يكذبوك } يا محمد في ما تدعيه من النبوة { فقد كذبت قبلهم قوم نوح } نوحا، وكذبت قوم { عاد } هوداً وقوم { ثمود } صالحاً { وقوم إبراهيم } ابراهيم { وقوم لوط } لوطاً { وأصحاب مدين } شعيباً { وكذب } اصحاب موسى { موسى } وانما قال { وكذب موسى } ولم يقل وقوم موسى، لأن قومه بني اسرائيل، وكانوا آمنوا به وإنما كذبه قوم فرعون { فأمليت للكافرين } اي أخرت عقابهم وحلمت عنهم { ثم أخذتهم } فاستاصلتهم بانواع الهلاك { فيكف كان نكير } أي عذابي لهم، وانما اقتصر على ذكر أقوام بعض الانبياء، ولم يسم أنبياءهم، لدلالة الكلام عليه.

ثم قال تعالى { وكأين من قرية } معناه وكم من أهل قرية { أهلكناها } لما استحقوا الاهلاك في حال كونها { ظالمة } لنفسها { فهي خاوية على عروشها } أي اهلكناها في حال كونها ظالمة لنفسها حتى تهدمت الحيطان على السقوف. وقال الضحاك على عروشها سقوفها.

وقوله { وبئر معطلة وقصر مشيد } معناه وكم من بئر معطلة أي لا أهل لهاء والتعطيل ابطال العمل بالشيء ولذلك قيل للدهري: معطل، لانه، أبطل العمل بالعلم على مقتضى الحكمة.

السابقالتالي
2