الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ حُنَفَآءَ للَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ فَتَخْطَفُهُ ٱلطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ ٱلرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلْقُلُوبِ } * { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَىٰ ٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِّيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ } * { ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّٰبِرِينَ عَلَىٰ مَآ أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِي ٱلصَّلَٰوةِ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ }

قوله { حنفاء } نصب على الحال من الضمير فى قوله { واجتنبوا قول الزور } ومعنى { حنفاء } مستقيمي الطريقة، على أمر الله. وأصل الحنف الاستقامة. وقيل للمائل القدم: أحنف تفاؤلا بالاستقامة. وقيل: أصله الميل. والحنيف المائل الى العمل بما أمر الله، والأول أقوى، لأنه أشرف فى معنى الصفة. وقوله { غير مشركين به } أي غير مشركين بعبادة الله غيره. والاشراك تضييع حق عبادة الله بعبادة غيره. أو ما يعظم عظم عبادة غيره، وكل مشرك كافر، وكل كافر مشرك. ثم قال تعالى { ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء } أي من أشرك بعبادة الله غير الله، كان بمنزلة من وقع من السماء، { فتخطفه الطير } أي تتناوله بسرعة وتستلبه. والاختطاف والاستلاب واحد. يقال: خطفه يخطفه خطفاً، وتخطفه تخطفاً إذا أخذه من كل جهة بسرعة. وقرا ابن عامر { فتخطفه } بتشديد الطاء، بمعنى فتختطفه، فنقل فتحة الطاء الى الخاء، وأدغم التاء في الطاء. الباقون بالتخفيف، وهو الاقوى لقولهإلا من خطف الخطفة } وقوله { أو تهوي به الريح في مكان سحيق } والسحيق البعيد. والمعنى أن من أشرك بالله غيره كان هالكاً بمنزلة من زل من السماء، واستلبه الطير ورمى به الريح فى مكان بعيد، فانه لا يكون إلا هالكاً. وقيل: شبه المشرك بحال الهاوي فى أنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً يوم القيامة. وقيل: شبه أعمال الكفار أنها تذهب فلا يقدر على شيء منها - فى قول الحسن - وقوله { ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } قال سيبويه: تقديره ذلك الأمر من يعظم، قالشعائر علامات مناسك الحج كلها، منها رمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة وغير ذلك - فى قول ابن زيد - وقال مجاهد: هي البدن، وتعظيمها استسمانها واستحسانها. والشعيرة العلامة التي تشعر بها، لما جعلت له، وأشعرت البدن إذا علمتها بما يشعر أنها هدي.

وقوله { فإنها من تقوى القلوب } فالكناية في قوله { فإنها } تعود الى التعظيم. ويجوز أن تعود الى الخصلة من التعظيم. وقيل: شعائر الله دين الله. وقوله { فإنها من تقوى القلوب } معناه إن تعظيم الشعائر من تقوى القلوب أي من خشيتها.

ثم قال { لكم فيها منافع إلى أجل مسمى } قال ابن عباس، ومجاهد: ذلك ما لم يسم هدياً او بدناً. وقال عطاء: ما لم يقلد، وقيل: منافعها ركوب ظهرها وشرب ألبانها إذا احتاج اليها. وهو المروي عن ابي جعفر (ع). وقوله { إلى أجل مسمى } قال عطاء بن ابي رياح: الى أن تنحر. وقيل: المنافع التجارة. وقيل: الأجر، وقيل: جميع ذلك. وهو أعم فائدة.

وقوله { ثم محلها إلى البيت العتيق } معناه إن محل الهدي والبدن الى الكعبة.

السابقالتالي
2