الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ } * { ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ }

يقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) واذكر يا محمد { إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } ومعناه جلعنا له علامة يرجع اليها. وقال قوم: معنى بوأنا وطّأنا له. وقال السدي: كانت العلامة ريحاً هبت، فكشف حول البيت، يقال لها الحجوج. وقال قوم: كانت: سحابة تطوقت حيال الكعبة، فبنى على ظلها. واصل بوأنا من قوله { باؤا بغضب من الله } أي رجعوا بغضب منه. ومنه قول الحارث بن عباد (بؤ بشسع كليب) أي ارجع، قال الشاعر:
فان تكن القتلى بواء فانكم   فتى ما قتلتم آل عوف ابن عامر
اي قد رجع بعضها ببعض فى تكافئ. وتقول: بوأته منزلا أي جعلت له منزلا يرجع اليه، والمكان والموضع والمستقر نظائر. والبيت مكان مهيأ بالبناء للبيتوتة، فهذا اصله. وجعل البيت الحرام على هذه الصورة. وقوله { ألا تشرك بي شيئاً } معناه وأمرناه ألا تشرك بي شيئاً في العبادة { وطهر بيتي } قال قتادة: يعني من عبادة الاوثان. وقيل: من الادناس. وقيل من الدماء، والفرث، والاقذار التى كانت ترمى حول البيت، ويلطخون به البيت إذا ذبحوا.

وقوله { للطائفين } يعني حول البيت { والقائمين والركع السجود } يعني طهر حول البيت للذين يقومون هناك للصلاة والركوع والسجود. وقال عطاء: والقائمين في الصلاة. وإذا قال: طاف، فهو من الطائفين، وإذا قعد، فهو من العكف، وإذا صلى، فهو من الركع السجود.

وفى الآية دلالة على جواز الصلاة في الكعبة.

وقوله { وأذن في الناس بالحج } قال الحسن: والجبائي: هو أمر للنبي (صلى الله عليه وسلم) أن يؤذن للناس بالحج ويأمرهم به، وانه فعل ذلك في حجة الوداع. وقال ابن عباس: ان إبراهيم قام في المقام، فنادى (يا أيها الناس إن الله قد دعاكم الى الحج) فأجابوا (بلبيك اللهم لبيك).

وقوله { يأتوك رجالاً } أي مشاة على أرجلهم، فرجال جمع راجل مثل صاحب وصحاب، وقائم وقيام { وعلى كل ضامر } أي على كل جمل ضامر، وهو المهزول، أضمره السير { من كل فج عميق } أي طريق بعيد، قال الراجز:
يقطعن بعد النازح العميق   
وإنما قال { يأتين } لانه في معنى الجمع. وقيل: لأن المعنى وعلى كل ناقة ضامر. وقوله { ليشهدوا منافع لهم } قيل الأجر والثواب في الآخرة، والتجارة في الدنيا. وقال أبو جعفر (ع): المغفرة. وقوله { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } قال الحسن وقتادة: الأيام المعلومات عشر من ذي الحجة، والأيام المعدودات أيام التشريق. وقال ابو جعفر (ع) الأيام المعلومات أيام التشريق، والمعدودات العشر، لأن الذكر الذي هو التكبير في أيام التشريق. وانما قيل لهذه الأيام: معدودات، لقلتها. وقيل لتلك: معلومات، للحرص على علمها بحسابها، من أجل وقت الحج في آخرها.

وقوله { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } يعني مما يذبح من الهدي.

السابقالتالي
2