الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } * { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } * { يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَٱلْجُلُودُ } * { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ } * { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }

اقسم الله تعالى لأن { إن } يتلقى بها القسم، فأقسم تعالى { إن الذين آمنوا } بالله وصدقوا بوحدانيته وصدقوا أنبياءه { والذين هادوا } يعني اليهود { والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا } مع الله غيره { إن الله يفصل بينهم يوم القيامة } فخبر { إن الذين آمنوا } قوله { إن الله يفصل } فدخل { إن } على الخبر تأكيداً، كما يقول القائل: إن زيداً إن الخير عنده لكثير، وقال جرير:
إنَ الخليفة ان الله سربله   سربال ملك به ترجى الخواتيم
وقال الفراء لا يجوز أن تقول: إن زيداً انه صائم لاتفاق الاسمين. قال الزجاج: يجوز ذلك، وهو جيد بالغ. ومعنى قوله { يفصل بينهم } يعني إن الله يفصل بين الخصوم في الدين يوم القيامة بما يضطر الى العلم بصحة الصحيح ويبيض وجه المحق، ويسود وجه المبطل. والفصل هو التمييز بين الحق والباطل. وإظهار احدهما من الآخر.

وقوله { إن الله على كل شيء شهيد } أي عالم بما من شأنه أن يشاهد، فالله تعالى يعلمه قبل أن يكون، لأنه علام الغيوب. ثم خاطب نبيه (صلى الله عليه وسلم) والمراد به جميع المكلفين فقال { ألم تر } ومعناه ألم تعلم { أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض } من العقلاء. ويسجد له { الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب } فسجود الجماد هو ما فيه من ذلة الخضوع التي تدعو العارفين الى السجود، سجود العبادة لله المالك للامور، وسجود العقلاء هو الخضوع له تعالى والعبادة له. وقوله { من في السماوات ومن في الأرض } وإن كان ظاهره العموم، فالمراد به الخصوص إذا حملنا السجود على العبادة والخضوع، لأنا علمنا أن كثيراً من الخلق كافرون بالله تعالى. فلذلك قال { وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب } ارتفع { كثير } بفعل مقدر، كأنه قال { وكثير } أبى السجود، فـ { حق عليه العذاب } دل عليه، لانهم يستحقون العقاب بجحدهم وحدانية الله، وإشراكهم معه غيره. وقيل: سجود كل شيء - سوى المؤمنين - سجود ظله حين تطلع الشمس وحين تغيب - فى قول مجاهد - كأنه يجعل ذلك لما فيه من العبرة بتصريف الشمس فى دورها عليه سجوداً.

وقوله { وكثير حق عليه العذاب } يعني لا بائه السجود. وقيل: بل هو يسجد بما يقتضيه عقله من الخضوع، وإن كفر بغير ذلك من الامور، وأنشدنا في السجود بمعنى الخضوع قول الشاعر:
بجمع تضل البلق في حجراته   ترى الاكم فيها سجداً للحوافر
وقوله { ومن يهن الله فما له من مكرم } معناه من يهنه الله بالشقوة بادخاله جهنم { فما له من مكرم } بالسعادة بادخاله الجنة، لأنه الذي يملك العقوبة والمثوبه { إن الله يفعل ما يشاء } يعني يكرم من يشاء، ويهين من يشاء إذا استحق ذلك.

السابقالتالي
2