الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَعْبُدُ ٱللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ ٱطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ٱنْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ ٱلدُّنْيَا وَٱلأَخِرَةَ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { يَدْعُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلاَلُ ٱلْبَعِيدُ } * { يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ } * { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } * { وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَأَنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يُرِيدُ }

قرأ ابن عامر وابو عمرو، ورويس، وورش { ثم ليقطع } ثمليقضوا } - بسكون اللام - فيهما، ووافقهم قنبل فى { ثم ليقضوا }. الباقون بسكون اللام.

معنى قوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف } أي فى الناس من يوجه عبادته إلى الله على ضعف في العبادة، كضعف القيام على حرف جرف، وذلك من اضطرابه فى استيفاء النظر المؤدي الى المعرفة. فأدنى شبهة تعرض له ينقاد لها، ولا يعمل فى حلها. والحرف والطرف والجانب نظائر. والحرف منتهى الجسم، ومنه الانحراف الانعدال الى الجانب. وقلم محرف قد عدل بقطعته عن الاستواء إلى جانب، وتحريف القول هو العدول به عن جهة الاستواء، فالحرف معتدل الى الجانب عن الوسط. وقال مجاهد: معنى على حرف على شك. وقال الحسن: يعبد الله على حرف يعني المنافق يعبده بلسانه دون قلبه. وقيل على حرف الطريقة لا يدخل فيها على تمكين.

وقوله { فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجه } قال ابن عباس: كان بعضهم إذا قدم المدينة فان صح جسمه ونتجت فرسه مهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً رضي به واطمأن اليه، وإن اصابه وجع المدينة، وولدت امرأته جارية، وتأخرت عنه الصدقة، قال ما اصبت منذ كنت على ديني هذا إلا شراً. وكل ذلك من عدم البصيرة. وقيل: انها نزلت في بني أسد كانوا نزلوا حول المدينة. و { الفتنة } - ها هنا - معناه المحنة بضيق المعيشة، وتعذر المراد من أمور الدنيا.

ثم اخبر الله تعالى أن من هذه صفته على خسران ظاهر، لانه يخسر الجنة، وتحصل له النار. ثم اخبر عن من ذكره انه { يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه } يعني الاصنام والاوثان، لانها جماد لا تضر ولا تنفع، فانه يعبدها دون الله. ثم قال تعالى { ذلك هو الضلال البعيد } يعني عبادة ما لا يضر ولا ينفع من العدول عن الصواب، والانحراف عن الطريقة المستقيمة الى البعيد عن الاستقامة. و " ذلك " فى موضع نصب بـ { يدعو } ومعناه (الذي) كأنه قال: الذي هو الضلال البعيد يدعوه. وقوله { يدعو لمن } مستأنف على ما ذكره الزجاج. وقوله { يدعو لمن ضره أقرب من نفعه } يعني يدعو هذه الاصنام التي ضررها أقرب من نفعها، لان الضرر بعبادتها عذاب النار، والنفع ليس فيها. وإنما جاز دخول اللام في { لمن ضره } لأن { يدعو } معلقة، وإنما هي تكرير للأولى، كأنه قال: يدعو - للتأكيد - للذي ضره أقرب من نفعه يدعو. ثم حذفت { يدعو } الأخيرة اجتزاء بالأولى. ولا يجوز قياساً على ذلك ضربت لزيد، ولو قلت بدلا من ذلك يضرب لمن خيره اكثر من شره يضرب، ثم حذفت الخبر جاز.

السابقالتالي
2 3