الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ } * { فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ }

قرأ يعقوب { فظن ان لن يقدر عليه } بالياء مضمومة. وفتح الدال. الباقون بالنون، وكسر الدال، والمعنيان متقاربان.

يقول الله تعالى إنا ادخلنا هؤلاء الذين ذكرناهم من الانبياء { في رحمتنا } أي في نعمتنا، ومعنى { أدخلناهم في رحمتنا } غمرناهم بالرحمة. ولو قال رحمناهم لما أفاد الاغمار، بل أفاد انه فعل بهم الرحمة، التي هي النعمة.

وقوله { إنهم من الصالحين } معناه إنما ادخلناهم في رحمتنا، لانهم كانوا ممن صلحت أعمالهم، وفعلوا الطاعات، وتجنبوا المعاصي. و { صالح } صفة مدح في الشرع.

ثم قال لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) واذكر { ذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه } والنون الحوت، وصاحبها يونس بن متى، غضب على قومه - فى قول ابن عباس والضحاك - فذهب مغاضباً لهم، فظن ان الله لا يضيق عليه، لأنه كان ندبه الى الصبر عليهم والمقام فيهم من قولهومن قدر عليه رزقه } أي ضيق، وقولهالله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر } أي يضيق، وهو قول ابن عباس ومجاهد والضحاك، واكثر المفسرين. وقال الزجاج والفراء: معناه { ظن أن لن نقدر عليه } ما قدرناه. وقال الجبائي: ضيق الله عليه الطريق حتى ألجأه الى ركوب البحر حتى قذف فيه، وابتلعته السمكة. ومن قال: ان يونس (ع) ظن أن الله لا يقدر عليه من القدرة، فقد كفر. وقيل إنما عوتب على ذلك، لأنه خرج مغاضباً لهم قبل أن يؤذن له، فقال قوم: كانت خطيئة، من جهة تأويله أنه يجوز له ذلك. وقد قلنا: انه كان مندوباً الى المقام فلم يكن ذلك محظوراً، وانما كان ترك الأولى. فأما ما روي عن الشعبي وسعيد بن جبير من انه خرج مغاضباً لربه فلا يجوز ذلك على نبي من الانبياء، وكذلك لا يجوز أن يغضب لم عفى الله عنهم إذ آمنوا، لان هذا اعتراض على الله بما لا يجوز في حكمته.

وقوله { فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين } فالظلمات قيل: إنها ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، على ما قاله ابن عباس وقتادة. وقيل: حوت فى بطن حوت، فى قول سالم بن أبي حفصة. وقيل: ان أكثر دعائه كان في جوف الليل فى الظلمات. والأول أظهر في اقوال المفسرين. وقال الجبائي: الغضب عداوة لمن غضب عليه، وبقاؤه في بطن الحوت حياً معجز له. ولم يكن يونس فى بطن الحوت على جهة العقوبة، لان العقوبة عداوة للمعاقب، لكن كان ذلك على وجه التأديب، والتأديب يجوز على المكلف وغير المكلف، كتأديب الصبي وغيره. وقال قوم: معنى قوله { فظن أن لن نقدر } الاستفهام، وتقديره أفظن. وهذا ضعيف، لأنهم لا يحذفون حرف الاستفهام إلا وفي الكلام عوض عنه من (أم) أو غيرها.

السابقالتالي
2