الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } * { قَالُواْ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ }

قرأ الكسائي { جذاذاً } بكسر الجيم. الباقون بضمها. فمن ضم الجيم أراد جعلهم قطعاً، وهو (فعال) على وزن الرفات والفتات والرقاق، وجذذته أجذه جذاً أي قطعته. وقال ابن عباس: الجذاذ الحطام. ومن كسر الجيم فانه أراد جمع جذيذ (فعيل) بمعنى مجذوذ. ومثله كريم وكرام، وخفيف وخفاف، وبالضم مصدر لا يثنى ولا يجمع. قال جرير:
آل المهلب جذ الله دابرهم   أمسوا رماداً فلا أصل ولا طرف
حكى الله تعالى ما رد به إبراهيم على كفار قومه حين قالوا له { أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين } فانه قال لهم { بل ربكم رب السماوات والأرض الذي } خلقكم ودبركم والذي خلق السموات والارض و { فطرهن } معناه ابتدأهن والفطر شق الشيء من امر ظهر منه يقال: فطره يفطره فطراً وانفطر انفطاراً، ومنه تفطر الشجر بالورق، فكأن السماء تشق عن شيء فظهرت بخلقها. ثم قال ابراهيم { وأنا على ذلكم من الشاهدين } يعني أنا على ما قلت لكم: من انه تعالى خالقكم وخالق السموات شاهد بالحق لانه دال، والشاهد الدال على الشيء عن مشاهدة، فابراهيم (ع) شاهد بالحق دال عليه بما يرجع الى ثقة المشاهدة. ثم أقسم إبراهيم فقال { وتالله لأكيدن أصنامكم } وذلك قسم، والتاء في القسم لا تدخل إلا فى اسم الله تعالى، لأنها بدل من الواو والواو بدل من الباء، فهي بدل من بدل، فلذلك أختصت باسم الله. وقال قتادة: معناه لأكيدن أصنامكم في سر من قومه. والكيد ضر الشيء بتدبير عليه، يقال: كاده يكيده كيداً فهو كائد.

وقوله { بعد أن تولوا مدبرين } يقال: انه انتظرهم حتى خرجوا الى عيد لهم فحينئذ كسر اصنامهم. ثم أخبر تعالى انه { جعلهم جذاذاً } أي قطعاً { إلا كبيراً لهم } تركه على حاله. ويجوز أن يكون كبيرهم فى الخلقة. ويجوز أن يكون أكبرهم عندهم في التعظيم { لعلهم إليه يرجعون } أي لكي يرجعوا اليه فينتبهوا على ما يلزمهم فيه من جهل من اتخذوه إلهاً، إذا وجدوه على تلك الصفة. وكان ذلك كيداً لهم. وفي الكلام حذف، لان تقديره إن قومه رجعوا من عيدهم، فوجدوا أصنامهم مكسرة { قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الضالمين } فـ { من } بمعنى الذي، وتقديره الذي فعل هذا بمعبودنا، فانه ظلم نفسه.

وقوله { قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم } قيل تخلف بعضهم فسمع إبراهيم يذكرها بالعيب، فذكر ذلك، ورفع { إبراهيم } بتقدير، يقال له هذا إبراهيم، او ينادى يا إبراهيم، ذكره الزجاج.