الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } * { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } * { لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَـٰذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } * { قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ ٱفْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ }

قرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر وخلفاً { قال ربي } على وجه الخبر.. الباقون { قل ربي } على وجه الامر.

هذا اخبار من الله تعالى بأنه { اقترب للناس } يعني دنا وقت { حسابهم } ومعناه دنا وقت اظهار ما للعبد وما عليه ليجازى به وعليه. والحساب اخراج مقدار العدد بعقد يحصل. ويقال: هو إخراج الكمية من مبلغ العدة. وقيل انه دنا لأنه بالاضافة الى ما مضى يسير.

وقيل: نزلت الآية فى أهل مكة استبطؤا عذاب الله تكذيباً بالوعيد، فقتلوا يوم بدر، والاقتراب قصر مدة الشيء بالاضافة الى ما مضى من زمانه. وحقيقة القرب قلة ما بين الشيئين، يقال: قرب ما بينهما تقريباً إذا قلل ما بينهما من مدة او مساقة او اي فاصلة، والقرب قد يكون فى الزمان، وفى المكان، وفي الحال. وقد قيل: كل آت قريب، فلذلك وصف الله تعالى القيامة بالاقتراب، لأنها جائية بلا خلاف.

وقوله { وهم في غفلة معرضون } فالغفلة السهو، وهو ذهاب المعنى عن النفس ونقيضها اليقظة، ونقيض السهو الذكر، وهو حضور المعنى للنفس، والنسيان، هو عزوب المعنى عن النفس بعد حضوره. وقوله { معرضون } يعني عن الفكر في ذلك، والعمل بموجبه. وقيل: هم في غفلة بالاشتغال بالدنيا، معرضون عن الآخرة. وقيل: هم في غفلة بالضلال، معرضون عن الهدى. وهو مثل ما قلناه.

وقوله { ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث } معناه اي شيء من القرآن محدث بتنزيله سورة بعد سورة وآية بعد آية { إلا استمعوه وهم يلعبون } اي كل ما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل - في قول الحسن وقتادة - وفي هذه الآية دلالة على ان القرآن محدث، لأنه تعالى اخبر انه ليس يأتيهم ذكر محدث من ربهم إلا استمعوه وهم لاعبون. والذكر: هو القرآن قال الله تعالىإنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } وقالوأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم } يعني القرآن، ويقويه في هذه الآية قوله { إلا استمعوه } والاستماع لا يكون إلا في الكلام، وقد وصفه بأنه محدث، فيجب القول بحدوثه.

ويجوز في { محدث } الجر على انه صفة. ويجوز الرفع والنصب. فالنصب على الحال والرفع على تقدير هو محدث. ولم يقرأ بهما، وقوله { لاهية قلوبهم } نصب { لاهية } على الحال. وقال قتادة: معناه غافلة. وقال غيره: معناه طالبة للهو، هازلة. واللهو الهزل الممتع. وقوله { وأسروا النجوى الذين ظلموا } فموضع { الذين ظلموا } من الاعراب يحتمل أن يكون رفعاً على البدل من الضمير في قوله { وأسروا } كما قال تعالىثم عموا وصموا كثير منهم } ويجوز ان يكون رفعاً على الاستئناف، وتقديره وهم الذين ظلموا. ويحتمل وجهاً ثالثاً - أن يكون خفضاً بدلا من الناس. والمعنى ان الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله وجحدهم أنبيائه، وأخفوا القول فيما بنيهم.

السابقالتالي
2