الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ } * { وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً مَّحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } * { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ } * { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }

قال المبرد: معنى { أن تميد } أي منع الأرض { أن تميد } أي لهذا خلقت الجبال. ومثله قولهأن تضل إحداهما } والمعنى عدة أن تضل أحداهما، كقول القائل: أعددت الخشبة أن يميل الحائل فأدعمه. وهو لم يعدها ليميل الحائط، وانما جعلها عدة، لأن يميل، فيدعم بها.

يقول الله تعالى انا { جعلنا في الأرض رواسي } وهي الجبال، واحدها راسية يقال: رست ترسو رسوّاً إذا ثبتت بثقلها، وهي راسية. كما ترسو السفينة إذا وقفت متمكنة في وقوفها { أن تميد بكم } معناه ألا تميد بكم، كما قاليبين الله لكم أن تضلوا } والمعنى ألا تضلوا. وقال الزجاج: معناه كراهة أن تميد بكم. والميد الاضطراب، بالذهاب فى الجهات، يقال: ماد يميد ميداً، فهو مائد. وقيل: إن الأرض كانت تميد وترجف، رجوف السفينة بالوطئ، فثقلها الله تعالى بالجبال الرواسي - لتمتنع من رجوفها. والوجه فى تثقيل الله تعالى الأرض بالرواسي مع قدرته على امساك الارض أن تميد، ما فيه من المصلحة والاعتبار، وكان ابن الاخشاذ يقول: لو لم يثقل الله الأرض بالرواسي لأمكن العباد أن يحركوها بما معهم من القدر، فجعلت على صفة ما لا يمكنهم تحريكها. وقال قتادة: تميد بهم معناه تمور، ولا تستقرّ بهم.

وقوله { وجعلنا فيها فجاجاً } يعني فى الارض طرقاً، والفج الطريق الواسع بين الجبلين.

وقوله { لعلكم تهتدون } أي لكي تهتدوا فيه الى حوائجكم ومواطنكم، وبلوغ أغراضكم. ويحتمل أن يكون المراد لتهتدوا، فتستدلوا بذلك على توحيد الله وحكمته. وقال ابن زيد: معناه ليظهر شكركم، فيما تحبون، وصبركم فيما تكرهون.

وقوله { وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } وانما ذكرها، لأنه أراد السقف، ولو أنث كان جائزاً. وقيل: حفظها الله من أن تسقط على الارض. وقيل: حفظها من أن يطمع احد ان يتعرض لها بنقض، ومن ان يلحقها ما يلحق غيرها من الهدم او الشعث، على طول الدهر. وقيل: هي محفوظة من الشياطين بالشهب التي يرجمون بها.

وقوله { وهم عن آياتها معرضون } اي هم عن الاستدلال بحججها وادلتها، على توحيد الله معرضون.

ثم قال تعالى مخبراً، بأنه { هو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر } واخبر ان جميع ذلك { في فلك يسبحون } فالفلك هو المجرى الذي تجري فيه الشمس والقمر، بدورانها عليه - فى قول الضحاك - وقال قوم: هو برج مكفوف تجريان فيه. وقال الحسن: الفلك طاحونة كهيئة فلك المغزل. والفلك في اللغة كل شيء دائر، وجمعه افلاك قال الراجز:
باتت تناصي الفلك الدوارا   حتى الصباح تعمل الاقتارا
ومعنى { يسبحون } يجرون - في قول ابن جريج - وقال ابن عباس { يسبحون } بالخير والشر، والشدة والرخاء. وانما قال { يسبحون } على فعل ما يعقل، لأنه أضاف اليها الفعل الذي يقع من العقلاء، كما قال

السابقالتالي
2