الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ } * { لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } * { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } * { وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ } * { أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَنَّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ }

حكى الله تعالى عن الكفار الذين تقدم ذكرهم أنهم { قالوا اتخذ الرحمن ولداً } أي تبنا الملائكة بناتاً، فنزه الله تعالى نفسه عن ذلك بأن قال { سبحانه بل عباد مكرمون } أي هؤلاء الذين جعلوهم أولاد الله هم عبيد لله مكرمون لديه، و { عباد } رفع بأنه خبر ابتداء وتقديره هم عباد، ولا يجوز عليه تعالى التبني، لأن التبني إقامة المتخذ لولد غيره مقام ولده لو كان له، فاذا استحال أن يكون له تعالى ولد على الحقيقة استحال أن يقوم ولد غيره مقام ولده، ولذلك لا يجوز أن يشبه بخلقه على وجه المجاز، لما لم يكن مشبهاً به على الحقيقة.

والفرق بين الخلة والنبوة أن الخلة إخلاص المودة بما يوجب الاخلاص والاختصاص بتخلل الاسرار، فلما جاز أن يطلع الله ابراهيم على أسرار لا يطلع عليها غيره تشريفاً له اتخذه خليلا على هذا الوجه، والبنوة ولادة ابن أو إقامته مقام ابن لو كان للمتخذ له. وهذا المعنى لا يجوز عليه تعالى كما يستحيل أن يتخذ إلهاً تعالى الله عن ذلك.

ثم وصف تعالى الملائكة بأنهم { لا يسبقونه بالقول } ومعناه لا يخرجون بقولهم عن حد ما أمرهم به، طاعة لربهم، وناهيك بهذا إجلالا لهم وتعظيماً لشأنهم { وهم بأمره يعملون } أي لا يعملون القبائح وإنما يعملون الطاعات التي أمرهم بها.

وقوله { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم } قال ابن عباس: معناه يعلم ما قدموا وما أخروا من أعمالهم. وقال الكلبي { ما بين أيديهم } يعني القيامة وأحوالها { وما خلفهم } من أمر الدنيا { ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } قال أهل الوعيد: معناه لا يشفع هؤلاء الملائكة الا لمن ارتضى الله جميع عمله. قالوا: وذلك يدل على أن اهل الكبائر لا يشفع فيهم، لان أعمالهم ليست رضاً لله. وقال مجاهد: معناه الا لمن رضي عنه.

وهذا الذي ذكروه ليس فى الظاهر، بل لا يمتنع ان يكون المراد لا يشفعون الا لمن رضي الله ان يشفع فيه، كما قال تعالىمن ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } والمراد أنهم لا يشفعون الا من بعد اذن الله لهم، فيمن يشفعون فيه، ولو سلمنا أن المراد الا لمن رضي عمله، لجاز لنا أن نحمل على أنه رضي ايمانه، وكثيراً من طاعاته. فمن أين أنه أراد: الا لمن رضي جميع اعماله؟! ومعنى - رضا الله - عن العبد إرادته لفعله الذي عرض به للثواب.

وقوله { وهم من خشيته مشفقون } يخافون من عقاب الله من مواقعة المعاصي. ثم هدد الملائكة بقوله { ومن يقل منهم اني إله } تحق لي العبادة من دون الله { فذلك نجزيه جهنم } معناه إن ادعى منهم مدع ذلك فانا نجزيه بعذاب جهنم، كما نجازي الظالمين بها.

السابقالتالي
2