الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } * { وَمَآ أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يٰمُوسَىٰ } * { قَالَ هُمْ أُوْلاۤءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } * { قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ }

قرأ الكسائي وحده { فيحل عليكم } بضم الحاء، وكذلك { من يحلل } بضم اللام. الباقون - بكسرها - ولم يختلفوا فى الكسر من قولهأن يحل عليكم غضب من ربكم } يقال حل بالمكان يحل إذا نزل به، وحل يحل - بالكسر - بمعنى وجب.

قوله { كلوا من طيبات ما رزقناكم } صورته صورة الأمر والمراد به الاباحة، لان الله تعالى لا يريد المباحات من الأكل والشرب فى دار التكليف. والطيبات معناه الحلال. وقيل معناه المستلذات.

وقوله { ولا تطغوا فيه } معناه لا تتعدوا فيه فتأكلوه على وجه حرمه الله عليكم، فتتعدون فيه بمعصية الله، ويمكن ترك الأكل على وجه حرمه الله الى وجه أباحه الله على الوجه الذي أذن فيه، وعلى وجه الطاعة أيضاً، للاستعانة به على غيره من طاعة الله.

وقوله { فيحل عليكم غضبي } معناه متى طغيتم فيه واكلتموه على وجه الحرام، نزل عليكم غضبي، على قراءة من ضم الحاء، ومن كسره: معناه يجب عليكم غضبي الذي هو عقاب الله.

ثم اخبر تعالى أن من حل غضب الله عليه { فقد هوى } يعني هلك، لأن من هوى من علو الى سفل، فقد هلك. وقيل: هو بمعنى تردى وقيل: معناه هوى الى النار.

ثم أخبر تعالى عن نفسه أنه " غفار " أي ستار " لمن تاب من المعاصي " فاسقط عقابه وستر معاصيه إذا أضاف الى إيمانه الأعمال الصالحات " ثم أهتدى " قال قتادة: معناه ثم لزم الايمان إلى أن يموت، كأنه قال: ثم استمر على الاستقامة. وانما قال ذلك، لئلا يتكل الانسان على انه قد كان أخلص الطاعة. وفى تفسير أهل البيت (ع) ان معناه " ثم أهتدى " الى ولاية أوليائه الذين أوجب الله طاعتهم والانقياد لامرهم. وقال ثابت البنائي: ثم أهتدى الى ولاية أهل بيت النبي (صلى الله عليه وسلم).

ثم خاطب موسى (ع)، فقال { وما أعجلك عن قومك يا موسى } قال ابن اسحاق: كانت المواعدة أن يوافي هو وقومه، فسبق موسى الى ميقات ربه، فقرره الله على ذلك لم فعله؟ وقال موسى فى جوابه { هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى } فقال الله { فإنا قد فتنا قومك من بعدك } أي عاملناهم معاملة المختبر بان شددنا عليهم في التعبد بأن ألزمناهم عند اخراج العجل أن يستدلوا على أنه لا يجوز أن يكون إلهاً، ولا أن يحل الاله فيه، فحقيقة الفتنة تشديد العبادة.

وقوله { وأضلهم السامري } معناه أنه دعاهم الى عبادة العجل، فضلوا عند ذلك، فنسب الله الاضلال اليه لما ضلوا بدعائه.