الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }

قرأ { فيسحتكم } - بضم الياء وكسر الحاء - أهل الكوفة إلا أبا بكر. الباقون بفتح الياء والحاء. وهما لغتان. يقال: سحت وأسحت إذا استأصل. وقرأ ابو عمرو { إن هذين } بتشديد { إن } ونصب { هذين }. وقرأ نافع وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم - بتشديد { إن } والالف في { هذان }. وقرأ ابن كثير { إن } مخففة { هذان } مشددة النون. وقرأ ابن عامر بتخفيف نون { إن } وتخفيف نون { هذان }. وقرأ ابو عمرو وحده { فأجمعوا } بهمزة الوصل. الباقون بقطع الهمزة من اجمعت الأمر إذا عزمت عليه، قال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع   هل اغدون يوما وأمري مجمع
وقيل: إن جمعت وأجمعت لغتان فى العزم على الأمر يقال: جمعت الأمر، واجمعت عليه، بمعنى ازمعت عليه وفى الكلام حذف، لان تقديره انهم حضروا واجتمعوا يوم الزينة، فقال لهم حينئذ موسى يعني للسحرة الذين جاؤا بسحرهم { لا تفتروا على الله } اي لا تكذبوا عليه كذبا بتكذيبي، وتقولوا إن ما جئت به السحر. والافتراء اقتطاع الخبر الباطل بادخاله في جملة الحق وأصله القطع من فراه يفريه فرياً. وافترى افتراء، والافتراء والافتعال والاختلاق واحد وقوله { فيسحتكم بعذاب } قال قتادة وابن زيد والسدي معناه فيستأصلكم بعذاب. والسحت استقصاء الشعر في الحلق: سحته سحتاً واسحته اسحاتاً لغتان، قال الفرزدق:
وعض زمان يا ابن مروان لم يدع   من المال إلا مسحتاً أو مجلف
وينشد (مسحت) بالرفع على معنى لم يدع أي لم يبق. ومن نصب قال أو مجلف، كذلك روي مسحتاً ومجلف. وسئل الفرزدق على ما رفعت إلا مسحتاً أو مجلف. فقال للسائل على ما يسؤك وينؤك. ويقال: سحت شعره إذا استقصى حلقه. والمعنى إن العذاب إذا أتى من قبل الله أخذهم واهلكهم عن آخرهم.

وقوله { وقد خاب من افترى } أي انقطع رجاء من افترى الكذب. والخيبة الامتناع على الطالب ما أمّل، والخيبة انقطاع الرجاء يقال: رجع بخيبة، وهو إذا رجع بغير قضاء حاجته. واشد ما يكون إذا أمل خيراً من جهة، فانقلب شراً منها.

وقوله { فتنازعوا أمرهم } معناه اختلفوا فيما بينهم. والتنازع محاولة كل واحد من المختلفين نزع المعنى عن صاحبه، تنازعا في الامر تنازعاً، ونازعه منازعة.

وقوله { وأسروا النجوى } أي اخفوها فيما بينهم. قال قتادة: انهم قالوا: إن كان هذا ساحراً فسنغلبه، وإن كان من السماء، فله أمره. وقال: وهب بن منية: لما قال لهم { ويلكم لا تفتروا على الله كذباً فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى } قالوا: ما هذا بقول ساحر. وقيل: اسرارهم كان أنهم قالوا: ان غلبنا موسى اتبعناه. وقيل أسروا النجوى دون موسى وهارون بقوله { إن هذين لساحران.... } الآية. وهو قول السدي.

السابقالتالي
2 3