لما امر الله موسى وهارون (ع) أن يمضيا الى فرعون ويدعواه الى الله { قالا إننا نخاف أن يفرط علينا } ومعناه ان يتقدم فينا بعذاب، ويعجل علينا، ومنه الفارط المتقدم امام القوم الى الماء، قال الشاعر:
قد فرط العجل علينا وعجل
ومنه الافراط الاسراف، لانه تقدم بين يدي الحق. والتفريط التقصير فى الأمر، لأنه تأخير عما يجب فيه التقدم. فالأصل فيه التقدم { أو أن يطغي } أو يعتوا علينا ويتجبر، فقال الله تعالى لهما { لا تخافا } ولا تخشيا { إنني معكما } أي عالم بأحوالكما، لا يخفى علي شيء من ذلك. وإني ناصر لكما، وحافظ لكما { أسمع } ما يقول لكما { وأرى } ما يفعل بكما. وقال ابن جريج { إنني معكما أسمع } ما يحاوركما به { وأرى } ما تجيئان به. فالسامع هو المدرك للصوت. والرائي المدرك للمريئات. ثم امرهما بأن ياتياه، ويقولا له { إنا رسولا ربك } بعثنا الله اليك والى قومك لندعوكم الى توحيد الله واخلاص عبادته، ويأمرك أن ترسل { معنا بني اسرائيل } اي تخليهم وتفرج عنهم، وتطلقهم من اعتقالك { ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك } اي بمعجزة ظاهرة، ودلالة واضحة من عند ربك { والسلام } يعني السلامة والرحمة { على من اتبع } طريق الحق و { الهدى } ، و { على } بمعنى اللام وتقديره السلامة لمن اتبع. والمعنى ان من اتبع طريق الهدى سلم من عذاب الله. وقوله { إنا قد أوحي إلينا } معناه قولا: { إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب } بآيات الله واعرض عن اتباعها. وفى الكلام محذوف، وتقديره فاتياه فقولا له ذلك. قال { فمن ربكما يا موسى } وقيل: انه: قال فمن ربكما؟ على تغليب الخطاب، والمعنى فمن ربك وربه يا موسى، فقال موسى مجيباً له { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } ومعناه أعطى كل شيء حي صورته التي قدر له ثم هداه الى مطعمه ومشربه ومسكنه ومنكحه، الى غير ذلك من ضروب هدايته - في قول مجاهد - وقيل: معناه أعطى كل شيء مثل خلقه من زوجة، ثم هداه لمنكحه من غير أن رأى ذكراً اتى انثى قبل ذلك. وحذف المضاف واقام المضاف اليه مقامه وغير ذلك من هدايته. وقرأ نصير عن الكسائي " خلقه " بفتح اللام والخاء، على انه فعل ماض. الباقون بسكونها على انه مفعول به. والمعنى إنه خلق كل شيء على الهيئة التي بها ينتفع والتي هي أصلح الخلق له، ثم هداه لمعيشته ومنافعه لدينه ودنياه،