الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } * { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ } * { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } * { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } * { وَٱصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي } * { ٱذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلاَ تَنِيَا فِي ذِكْرِي } * { ٱذْهَبَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ }

ثمان آيات بلا خلاف. إلا أن في تفصيلها خلافاً لا نطول بذكره.

لما أخبر الله تعالى موسى بأنه قد آتاه ما طلبه واعطاه سؤله، عدد ما تقدم ذلك من نعمه عليه ومننه لديه. فقال { ولقد مننا عليك مرة أخرى } والمنّ نعمة يقطع صاحبها بها عن غيره باختصاصها به. يقال: منّ عليه يمن مناً إذا انعم عليه نعمة يقطعه إياها. واصله القطع، ومنه قولهلهم أجر غير ممنون } اي غير مقطوع. وحبل منين: أي منقطع. والمرة الكرة الواحدة من المر، وذلك ان نعمة الله (عز وجل) عليه مستمرة، فذكره الاجابة مرة وقبلها مرة أخرى. وقوله { إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى } أي كانت هذه النعمة عليك حين أوحينا الى أمك ما يوحى، قال قوم: اراد انه ألهمها ذلك. وقال الجبائي: رأت فى المنام أن اقذفيه في التابوت، ثم اقذفيه في اليم، والقذف هو الطرح، واليم البحر قال الراجز:
كنازح اليم سقاه اليم   
وقيل: المراد به ها هنا النيل. وقوله { فليلقه اليم بالساحل } جزاء وخبر أخرج مخرج الامر ومثله { اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم } والتقدير فاطرحيه فى اليم فليلقه اليم بالساحل. وقوله { يأخذه عدوّ لي وعدوّ له } يعني فرعون. وكان عدوّ الله بكفره وحدانيته وادعائه الربوبية، وكان عدو موسى، لتصوره أن ملكه ينقرض على يده.

وقوله { وألقيت عليك محبة مني } معناه إني جعلت من رآك احبك حتى احبك فرعون، فسلمت من شره، واحبتك امرأته آسية بنت مزاحم فتبنتك.

وقوله { ولتصنع على عيني } قال قتادة: معناه لتغذى على محبتي وارادتي، وتقديره وأنا اراك، يجري امرك على ما اريد بك من الرفاهة في غذائك، كما يقول القائل لغيره: أنت مني بمرءاً ومستمع أى انا مراع لاحوالك. وقوله { إذ تمشي اختك فتقول هل أدلكم على من يكفله } قيل ان موسى امتنع أن يقبل ثدي مرضعة الاثدي امه لما دلتهم عليها أخته، فلذلك قال { فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن }.

وقوله { وقتلت نفساً فنجيناك من الغم } وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن قتله النفس كان خطأ. وقال جماعة من المعتزلة: انه كان صغيرة. وقال اصحابنا: انه كان ترك مندوب اليه، لان الله تعالى قد كان حكم بقتله لكن ندبه الى تأخير قتله الى مدة غير ذلك، وانما نجاه من الفكر فى قتله، كيف لم يؤخره الى الوقت الذى ندبه اليه. وقال قوم: أراد نجيناك من القتل لانهم طلبوه ليقتلوه بالقبطي.

وقوله { وفتناك فتوناً } أى اختبرناك اختباراً. والمعنى انا عاملناك معاملة المختبر حتى خلصت للاصطفاء بالرسالة، فكل هذا من اكبر نعمه. وقيل: الفتون وقوعه فى محنة بعد محنة حتى خلصه الله منها: اولها - أن امه حملته فى السنة التي كان فرعون بذبح فيها الاطفال، ثم القاؤه في اليم، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم جره لحية فرعون حتى هم بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة، فدرأ الله بذلك عنه قتل فرعون، ثم مجيء رجل من شيعته يسعى ليخبره بما عزموا عليه من قتلة.

السابقالتالي
2