الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } * { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } * { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً }

اخبر الله تعالى عن آدم وحواء أنهما أكلا من الشجرة التي نهى الله عن أكلها، وعندنا أن النهي كان على وجه التنزيه. والأولى أن يكون على وجه الندب دون نهي الحظر والتحريم، لأن الحرام لا يكون إلا قبيحاً، والأنبياء لا يجوز عليهم شيء من القبائح لا كبيرها ولا صغيرها. وقال الجبائي: لا تقع معاصي الانبياء إلا سهواً، فأما مع العلم بأنها معاصي فلا تقع. وقال قوم آخرون: إنه وقع من آدم أكل الشجرة خطأ. لأنه كان نهي عن جنس الشجرة فظن انه نهي عن شجرة بعينها، فأخطأ فى ذلك. وهذا خطأ لأنه تنزيه له من وجه المعصية، ونسبة المعصية اليه من وجهين: أحدهما - أنه فعل القبيح. والثاني - أنه أخطأ فى الاستدلال. وقال قوم: انها وقعت منه عمداً، وكانت صغيرة، وقعت محبطة. وقد بينا أن ذلك لا يجوز عليهم (ع) عندنا بحال. وقال الرماني: لما حلف ابليس لهما لم يقبلا منه، ولم يصدقاه، ولكن فعلا ذلك لغلبة شهوتهما، كما يقول الغاوي للانسان إزن بهذه المرأة، فانك ان أخذت لم تحد، فلا يصدقه، ويزني بها لشهوته. وقال الحسن: أكلت حواء أولا وابت عليه ان يجامعها حتى يأكل منها، فأكل حينئذ.

وقوله { فبدت لهما سوآتهما } أي ظهرت لهما عوراتهما، لان ما كان عليهما من اللباس نزع عنهما، ولم يكن ذلك على وجه العقوبة بل لتغيير المصلحة فى نزعهما وإخراجهما من الجنة وإهباطهما الأرض وتكليفهما فيها. وانما جمع سوآتهما، وهو لأثنين، لأن كل شيئين من شيئين، فهو من موضع التثنية جمع، لأن الاضافة تثنية مع أنه لا إخلال فيه لمناسبة الجمع للتثنية. وقال السدي: كان لباس سوآتهما الظفر.

وقوله { طفقا } يعني ظلا، وجعلا يفعلان.

وقوله { يخصفان عليهما من ورق الجنة } فالخصف خيط الشيء بقطعة من غيره، يقال: خصفه يخصفه خصفاً، فهو خاصف وخصاف. وقيل: انهما كانا يطبقان ورق الجنة بعضه على بعض ويخيطان بعضه الى بعض ليسترا به سوآتهما.

وقوله { وعصى آدم ربه فغوى } معناه خالف ما أمره الله به فخاب ثوابه. والمعصية مخالفة الأمر سواء كان واجباً او ندباً قال الشاعر:
أمرتك امراً جازماً فعصيتني   
ويقال ايضاً: أشرت عليك بكذا، فعصيتني، ويقال غوى يغوي غواية وغياً إذا خاب، قال الشاعر:
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره   ومن يغو لا يعدم على الغي لائماً
أي من يخب، وفي الكلام حذف، لان تقديره ان آدم تاب الى الله وندم على ما فعل، فاجتباه الله واصطفاه { وتاب عليه } أي قبل توبته. وهداه الى معرفته والى الثواب الذي عرضه له.

وقوله { قال اهبطوا منها جميعاً بعضكم لبعض عدو } يعني آدم وحواء وابليس وذريته.

السابقالتالي
2