الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ }

القراءة:

القراء المعرفون على تسكين اللام من قوله غلف. وقال ابن محيص غلف بضم اللام

المعنى:

وروي عن ابن عباس ذلك فمن قرأ بالتسكين قال: معنى غلف الواحد منها اغلف وغلف مثل احمر وحمر فكأنهم قالوا: قلوبنا أوعية فلم لا تعي ما تأتينا به قالوا كما { قالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب } أي لا تفقه لأنها في حجاب. ومنه يقال للرجل الذي لم يختن اغلف والمرأة غلفاء ويقال للسيف اذا كان في غلاف اغلف وقوس غلفاء: وجمعها غلف وكذلك كل لغة على وزن افعل للذكر والانثى فعلاء يجمع على فعل مضمومة الاول ساكنة الثاني نحو احمر وحمر واصفر وصفر فيكون ذلك جمعاً للتذكير والتأنيث ولا يجوز ثقيل عين الفعل إلا في ضرورة الشعر. قال طرفه:
ايها الفتيان في مجلسنا   جردوا منها وراداً وشُقر
فحرك لضرورة الشعر. ومن قرأ " غلف " مثقلا قال: هو جمع غلاف مثل مثال ومثل وحمار وحمر. فيكون معناه إن قلوبنا اوعية للعلم فما بالها لا تفهم، وهي اوعية للعلم. ويجوز ان يكون التسكين عين التثقيل مثل رسْل ورُسل. وقال عكرمة غلف: أي عليها طابع. والمعنى عندنا ان الله اخبر ان هؤلاء الكفار ادعوا ان قلوبهم ممنوعة من القبول وذهبوا إلى ان الله منعهم من ذلك، فقال الله رداً عليهم { بل لعنهم الله بكفرهم } أي انهم لما كفروا فالفوا كفرهم واشتد اعجابهم به ومحبتهم اياه، منعهم الله، من الالطاف والفوائد ـ ما يؤتيه المؤمنين ثواباً على ايمانهم وترغيباً لهم في طاعتهم، وزجر الكافرين عن كفرهم، لأن من سوى بين المطيع والعاصي له، فقد اساء اليهما. وفي الآية ردّ على المجبرة ايضاً، لأنهم قالوا: مثل ما يقول اليهود من أن على قلوبهم ما يمنع من الايمان ويحول بينهم وبينه، وكذبهم الله تعالى في ذلك بأن لعنهم وذمهم. فدل على أنهم كانوا مخطئين، كما هم مخطئون. وقال ابو علي الفارسي: ما يدرك به المعلومات من الحواس وغيرها، اذ اذكر بانه لا يعلم وصف بان عليه مانعاً كقوله تعالى:أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها } فان الفعل لما كان مانعاً من الدخول إلى المقفل عليه شبه القلوب به. ومثله قوله:سكرت أبصارنا } وقوله:الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } ومثلهبل هم منها عمون } وقوله:صم بكم } لأن العين اذا كانت في غطاء لم ينفذ شعاعها فلا يقع بها ادراك، فكأن شدة عنادهم بحملهم على رفع المعلومات. واللعن هو الاقصاء والابعاد. يقال: لعن الله فلانا يلعنه لعناً. فهو ملعون، ثم يصرف مفعول إلى فعيل، فيقال: هو لعين.

السابقالتالي
2