الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ }

القراءة:

قرأ أهل الكوفة الرسل مثقّل في جميع القرآن. وقرأ ابن كثير القدس بسكون الدال حيث وقع. الباقون بتثقيلها،

المعنى:

ومعنى قوله { آتينا موسى الكتاب } انزلناه اليه واعطيناه. والكتاب بالمراد به التوراة. وقوله { وقفينا } معناه واردفنا، واتبعنا بعضه خلف بعض، كما بقفو الرجل الرجل: اذا سار في اثره من ورائه واصله من القفا. يقال فيه قفوت فلاناً اذا صرت خلف قفاه. كما يقال دبرته اذا صرت في دبره قال امرؤ القيس:
وقفى على اثارهن بحاصب   فمرّ العشى البارد المتحصب
ومعنى قوله: { بالرسل } من بعد موسى. والمراد بالرسل الانبياء، وهم جمع رسول يقال: رسول ورسل، كما يقال: رجل صبور وقوم صبر. ورجل شكور، وقوم شكر. والمعنى في { قفينا } اتبعنا بعضهم بعضا على منهاج واحد، وشريعة واحدة، لأن كل من بعثه الله نبيا بعد موسى إلى زمن عيسى بن مريم (ع) فانما بعثه باقامة التوراة والعمل بما فيها والدعاء إلى ما فيها، فلذلك، قال: { وقفينا من بعده بالرسل } يعني على منهاجه وشريعته.

وقوله: { وآتينا عيسى ابن مريم البينات } اعطينا عيسى بن مريم الحجج والدلالات على نبوته من احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص ونحو ذلك من الآيات التي دلت على صدقه وصحة نبوته.

وقوله: { وأيدناه بروح القدس } أي قويناه واعناه. يقال منه ايدك الله، أي قواك الله. وهو رجل ذو ايد وذو اياد أي ذو قوة ومنه قول العجاج:
من ان تبدلت بآدي آدا   
يعني بقوة شبابي قوة الشيب قال الشاعر:
ان القداح اذا اجتمعن فرامها   بالكسر ذو جلد وبطش أيّد
يعنى بالايد القوي قال قتادة والسدي والضحاك والربيع: روح القدس هو جبرائيل " ع ". قال: ابن زيد ايد الله عيسى بالانجيل روحا كما جعل القرآن روحا كلاهما روح الله كما قال: { وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا }. وروى الضحاك عن ابن عباس ان الروح: الاسم الذي كان يحيي به الموتى. واقوى الاقوال قول من قال: هو جبرائيل (ع) لأن الله تعالى ايد عيسى به كما قال تعالىيا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل } فاخبر انه ايده به ناو كان المراد به الانجيل لكان ذلك تكراراً. وانما سمي الله تعالى جبرائيل روحاً واضافه إلى القدس، لأنه كان بتكوين الله روحاً من عنده من غير ولادة والدٍ ولده. وقال قوم سمي روحاً لأنه كان بمنزلة الارواح للابدان تحيى بما يأتي به من البينات وقال آخرون: سمي بذلك، لأن الغالب على جسمه الروحانية لرقته وكذلك سائر الملائكة وانما خص به تشريفا والتقديس والتطهير والقدس: الطهر وقال السدي: القدس ها هنا البركة يقال: قدس عليه: برك عليه.

السابقالتالي
2