الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

القراءة:

قرأ اهل الكوفة تظاهرون ها هنا، وفي التحريم بتخفيف الظاء. الباقون بالتشديد فيهما. وقرأ حمزة " أسرى " بفتح الهمزة، وسكون السين بغير الف بعدها. وقرأ اهل المدينة، وعاصم، والكسائي ويعقوب (تفادوهم) بضم التاء وبألف.

وقوله { ثم أنتم هؤلاء } يحتمل وجهين:

احدهما ـ ان يكون اريد به ثم انتم يا هؤلاء فترك يا استغناء، لدلالة الكلام عليه: كما قاليوسف أعرض عن هذا } ومعنى الكلام ثم انتم يا معشر يهود بني اسرائيل بعد اقراركم بالميثاق الذي اخذته عليكم: ألاّ تسفكوا دماءكم، ولا تخرجوا انفسكم من دياركم، وبعد شهادتكم على انفسكم بذلك انه حق لازم لكم الوفاء به تقتلون انفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم متعاونين عليهم في اخراجكم اياهم بالاثم، والعدوان.

والتعاون هو التظاهر، وانما قيل للتعاون: التظاهر، لتقوية بعضهم ظهر بعض. فهو تفاعل من الظهر. هو مساندة بعضهم ظهره إلى ظهر بعض. قال الشاعر:
تظاهرتم اشباه نيب تجمعت   على واحد لازلتم قرن واحد
ومنه قوله تعالى:وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه } وقولهوالملائكة بعد ذلك ظهير } وقوله:ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا } وقوله:سحران تظاهرا } وقوله:وكان الكافر على ربه ظهيرا } ويقال: اتخذ معك نفراً ونفرين ظهيرين يعني عدة، والوجه الآخر أن يكون معناه: ثم انتم القوم تقتلون انفسكم فيرجع إلى الخبر عن { أنتم } وقد اعترض بينهم وبين الخبر عنهم { هؤلاء } كما تقول العرب: انا ذا أقوم، وانا ذا أجلس. ولو قيل أنا هذا يجلس لكان صحيحاً. وكذلك انت ذاك تقوم، وقال بعض النحويين: ان هؤلاء [في] قوله: { ثم أنتم هؤلاء } تنبيه، وتوكيد لانتم. وزعم أن انتم: وان كان كناية عن اسماء جميع المخاطبين فانما جازان يؤكد بهؤلاء. وأولاء يكنى بها عن المخاطبين كما قال خُفاف بن ندبة:
اقول له والرمح يأطر متنه   تبيّن خفافا انني انا ذلكا
يريد انا هو، وكما قالحتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة } والاثم قيل معناه: هو ما تنفر منه النفس ولم يطمئن اليه القلب. ومنه قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لنواس بن سمعان، حين سأله عن البر والاثم، فقال (صلى الله عليه وسلم): البر ما اطمأنت اليه نفسك والاثم ما حك في صدرك. وقال قوم: معنى الاثم ما يستحق عليه الذم، وهو الاصح.

والعدوان مجاوزة الحق. وقال قوم: هو الافراط في الظلم. واسرى جمع اسير واسارى جمع اسرى. كما قالوا: مريض ومرضى وجريح وجرحى وكسير وكسرى. هذا قول المفضل بن سلمة قال ابو عمرو بن العلاء: الاسارى هم الذين في الوثاق والاسرى الذين في اليد. وان لم يكونوا في الوثاق.

ومعنى تفادوهم أو تفدوهم: طلب الفدية من الاسير الذي في ايديهم من اعدائهم قال الشاعر:

السابقالتالي
2 3