الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ }

القراءة:

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: " لا يعبدون " بالياء. الباقون بالتاء.

وقرأ " حسناً " بنصب الحاء والسين حمزة والكسائي الباقون { حسناً } بضم الحاء وإسكان السين وتقدير الآية: واذكروا ايضاً يا معشر بني اسرائيل اذ أخذنا ميثاقكم لا تعبدون إلا الله، فلما اسقطت ان، رفع. كما قال الشاعر:
ألا ايهذا اللائمي اشهد الوغى   وان اشهد اللذات هل انت مخلدي
ومثله قوله: { أفغير الله تأمروني أعبد }. ومن قرأ بالياء، تقديره انه اخبر انه تعالى أخذ ميثاقهم، لا يعبدون إلا الله، وبالوالدين احساناً، ثم عدل إلى خطابهم فقال: { وقولوا للناس حسناً }. والعرب تفعل ذلك كثيراً. وانما استخاروا ان يصيروا إلى المخاطبة بعد الخبر، لأن الخبر انما كان عمن خاطبوه بعينه، لاعن غيره. وقد يخاطبون، ثم يصيرون بعد ذلك إلى الخبر عن المخاطب. مثال الاول قول الشاعر:
شطت مزار العاشقين فاصبحت   عسراً علي طلابك ابنة مخزم
مزار نصب. والتاء من اصبحت كناية عن المرأة فأخبر عنها ثم خاطبها. ومثال الثاني قول الشاعر:
اسيئي بنا أو احسني لا ملومة   لدنيا ولا مقلية ان تقلت
وقال زهير:
فاني لو إلاقيك اجتهدنا   وكان لكل منكره كفاء
وابري موضحات الرأس منه   وقد يبرى من الجرب الهناء
ومن قرأ بالتاء فان الكلام من أوله خطاب.

وتقديره: واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل، قلنا لا تعبدوا الا الله. قال بعض النحويين: المعنى واذ أخذنا ميثاق بني اسرائيل لا تعبدون الا الله، وبالوالدين احسانا، حكاية، كأنه قال استحلفناهم لا يعبدون إلا الله، اذ قلنا لهم: والله لو قالوا والله لا تعبدون. والاول اجود.

وقوله تعالى: { وبالوالدين إحساناً } عطف على موضع أن المحذوفة في { تعبدون إلا الله وبالوالدين إحساناً } فرفع لا تعبدون، لما حذفت أن، ثم عطف بالوالدين على موضعها: كما قال الشاعر:
معاوي اننا بشر فاسجح   فلسنا بالجبال ولا الحديدا
فعطف ولا الحديد على موضع الجبال. واما الاحسان فمنصوب بفعل مضمر يؤدي عن معناه، قوله { وبالوالدين } اذ كان مفهوما معناه.

وتقدير الكلام واذ اخذنا ميثاق بني اسرائيل بان لا تعبدوا إلا الله وان تحسنوا إلى الوالدين احسانا. فاكتفى بقوله: { وبالوالدين } عن ان يقول بان تحسنوا إلى الوالدين احسانا، اذ كان مفهوما بما ظهر من الكلام. وقال بعض اهل العربية: تقديره وبالوالدين فاحسنوا، فجعل الياء التي في الوالدين من صلة الاحسان مقدمة عليه. وقال آخرون: الا تعبدوا إلا الله واحسنوا بالوالدين احسانا، فزعموا ان الباء في وبالوالدين من صلة المحذوف. اعني من احسنوا. فجعلوا ذلك من كلامين والاحسان الذي اخذ عليهم الميثاق بان يفعلوه إلى الوالدين ما فرض على امتثالهما من فعل المعروف، والقول الجميل، وخفض جناح الذل رحمة بهما، والتحنن عليهما، والرأفة بهما، والدعاء لهما بالخير، وما اشبهه مما ندب الله تعالى إلى الفعل بهما.

السابقالتالي
2 3