الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَبِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ }

التفسير:

(من) لفظ يخبر به عن الواحد من العقلاء، واثنين وجماعة فلما قال: { وما هم بمؤمنين } دل على أنه أراد الجمع وانما قال: { يقول } بلفظ الواحد حملا له على اللفظ قال الشاعر:
نكن مثل مَنْ يا ذئب يصطحبان   
وقيل في معنى الناس وجهان:

أحدهما ـ أن يكون جمعاً لا واحد له من لفظه واحدهم إنسان والانثى انسانة

والثاني ـ أن أصله: أناس فاسقطت الهمزة منها لكثرة الاستعمال اذا دخلها الألف واللام للتعريف ثم أدغمت لام التعريف في النون كما قيل: { لكنا هو الله } واصله: لكن انا.

وقال بعضهم: ان الناس لغة غير اناس، وإلا لقيل في التصغير: انيس رداً إلى اصله.

واشتقاقه من النوْس: وهو الحركة ناس ينوس نوساً: اذا تحرك والنوس: تذبذب الشيء في الهواء، ومنه نوس القرط في الاذن لكثرة حركته.

ولا خلاف بين المفسرين ان هذه الآية وما بعدها نزلت في قوم من المنافقين من الأوس والخزرج وغيرهم، روي ذلك عن ابن عباس وذكر اسماءهم ولا فائدة في ذكرها. وكذلك ما بعدها إلى قوله: { وما كانوا مهتدين } كلها في صفه هؤلاء المنافقين. والمنافق هو الذي يظهر الاسلام بلسانه وينكره بقلبه.

واليوم الآخر هو يوم القيامة وانما سمي يوم القيامة اليوم الآخر لأنه يوم لا يوم بعده سواه. وقيل: لأنه بعد ايام الدنيا واول ايام الآخرة. فان قيل: كيف لا يكون بعده يوم ولا انقطاع للاخرة ولا فناء؟ قيل: اليوم في الآخره سمي يوماً بليلته التي قبله فاذا لم يتقدم النهار ليل لم يسم يوماً فيوم القيامة يوم لا ليل بعده فلذلك سماه اليوم الآخر.

وانما قال: { وما هم بمؤمنين } مع قوله: {.. من يقول آمنا بالله } تكذيباً لهم فيما اخبروا عن اعتقادهم من الايمان والاقرار بالبعث والنبوة فبين ان ما قالوه بلسانهم مخالف لما في قلوبهم وذلك يدل على ان الايمان لا يكون مجرد القول على ما قالته الكرامية.

{ يقول } من القول ومنه: تقوّل اذا تخرص القول واقتال فهو مقيال: اذا أخذ نفعاً إلى نفسه بالقول أو دفع به ضرراً عنها والمَقوَل اللسان يُقَوّله تقويلا اذا طالبه باظهار القول.