الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ }

القراءة:

قرأ ابو جعفر المدني: اماني مخففاً والباقون بالتشديد.

المعنى:

قوله: { ومنهم } يعني هؤلاء اليهود الذين قص الله قصتهم في هذه الآيات وقطع الطمع في ايمانهم. وقال اكثر المفسرين: سموا اميين، لأنهم لا يحسنون الكتابة، ولا القراءة. يقال منه: رجل امي بين الامية. ومنه قوله " ع " أما امة اميون لا يكتب ولا يحسب وانما سمي من لا يحسن الكتابة امياً لأحد امور. قال قوم: هو مأخوذ من الامة أي هو على اصل ما عليه الامة من انه لا يكتب. لا يستفيد الكتابة بعد اذ لم يكن يكتب

الثاني ـ ان الامة: الخلقة. فسمي امياً لأنه باق على خلقته. ومنه قول الاعشى:
وان معاوية الا كرميـ   ـن حسان الوجوه طوال الامم
والثالث ـ انه مأخوذ من الام. وانما اخذ منه، لاحد امرين:

احدهما ـ لأنه على ما ولدته امه من انه لا يكتب.

والثاني ـ نسب إلى امه، لأن الكتابة كانت في الرجال دون النساء فنسب من لا يكتب من الرجال إلى امه، لجهلها دون ابيه. وقال ابو عبيدة الاميون هم الامم الذين لم ينزل عليهم كتاب. والنبي الامي: الذي لا يكتب، وانشد لتبع:
له امة سميت بالزبو   ر امية هي خير الامم
وروي عن ابن عباس: ان الاميين قوم لم يصدقوا رسولا ارسله الله عز وجل ولا كتاباً انزله، وكتبوا كتاباً بايديهم، وقالوا: لقوم جهال هذا من عند الله. وقال: قد اخبر انهم يكتبون بايديهم، ثم سماهم اميون لجحودهم كتاب الله عز وجل ورسله. والوجه الاول اوضح في اللغة. وهذا الوجه مليح لقوله في الآية الثانية { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } فأثبت انهم يكتبون ومن قال بالاول يحتاج، ان يجعل هذا مستأنفاً لغير من تقدم ذكره، أو لبعضهم.

وقوله: { لا يعلمون الكتاب } أي لا يعلمون ما في الكتاب الذي انزله الله عز وجل، ولا يدرون ما أودعه من حدوده وأحكامه وفرائضه، كهيئة البهائم. وانما هم مقلدة لا يعرفون ما يقولون. والكتاب المعني به التوراة. وانما ادخل عليه لام التعريف، لأنه قصد به قصد كتاب معروف بعينه. ومعنى الآية فريق لا يكتبون ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه، والذي هو عندكم، وهم ينتحلونه، ويدعون الاقرار به من احكام الله عز وجل وفرائضه وما فيه من حدوده التي بينها فيه إلا اماني.

قال ابن عباس ومجاهد إلا قولا يقولون بافواههم كذباً. وقال قتادة الاماني انهم يتمنون على الله ما ليس لهم. وقال آخرون: الاماني احاديث. وقال الكسائي والفراء وغيرهما: معناه إلا تلاوة، وهو المحكي عن ابي عبيدة على ما رواه عنه عبد الملك بن هشام، وكان ثقة.

السابقالتالي
2