الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }

المعنى:

الألف في قوله أفتطمعون ألف استفهام والمراد به الانكار، كقوله:ألم يأتكم نذير قالوا بلى } فاذا كان في الاول نفياً، كان الجواب بلى واذا لم يكن نفياً كان الجواب لا. وهذا خطاب لامة النبي " صلى الله عليه وسلم " فكأنه قال: أفتطمعون أيها المؤمنون أن يؤمنوا لكم من طريق النظر والاعتبار، ونفي التشبيه، والانقياد للحق وقد كان فريق منهم: أي ممن هو في مثل حالهم من اسلافهم يسمعون كلام الله ثم يعلمون انه الحق، ويعاندون فيحرّفونه ويتأولونه، على غير تأويله.

وقوله: { وقد كان فريق منهم } والفريق جمع كالطائفة لا واحد له من لفظه وهو فعيل من الفرق سمي به الجمع كما سميت الجماعة بالحزب من التحزب قال اعشى بن تغلبة:
اخذوا فلما خفت ان يتفرقوا   فريقين منهم مصعد ومصوب
وقوله: { منهم } يعني من بني اسرائيل، وانما جعل الله الذين كانوا على عهد موسى ومن بعد: من بني اسرائيل من اليهود الذين قال الله تعالى لاصحاب محمد " صلى الله عليه وسلم " افتطمعون أن يؤمنوا لكم، لأنهم كانوا آباؤهم واسلافهم، فجعلهم منهم اذ كانوا عشائرهم وفرقهم واسلافهم.

وقوله: { يسمعون كلام الله } قال قوم منهم مجاهد والسدي: إنهم علماء اليهود يحرفون التوراة، فيجعلون الحلال حراماً والحرام حلالا ابتغاء لأهوائهم واعانة لمن يرشوهم. وقال ابن عباس والربيع وابن اسحاق والبلخي: انهم الذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام الله فلم يمتثلوا امره، وحرفوا القول في اخبارهم لقومهم حتى رجعوا اليهم وهم يعلمون انهم قد حرفوا. وهذا اقوى التأويلين، لأنه تعالى اخبر عنهم بانهم يسمعون كلام الله والذين سمعوا كلام الله. بلا واسطة هم الذين كانوا مع موسى. فاما هؤلاء فانما سمعوا ما يضاف إلى كلامه بضرب من العرف دون حقيقة الوضع. ومن قال بهذا. قال: هم الذين سمعوا كلام الله الذي اوحى الله إلى موسى. وقال قوم هو التوراة التي علمها علماء اليهود.

وقوله: { من بعد ما عقلوه وهم يعلمون }. قيل فيه وجهان:

احدهما ـ وهم يعلمون انهم يحرفونه.

والثاني ـ من بعد ما تحققوه وهم يعلمون ما في تحريفه من العقاب. والذي يليق بمذهبنا في الموافاة أن نقول: ان معناه وهم يعلمون انهم يحرّفونه. فان قيل فلماذا اخبر الله عن قوم بانهم حرفوا وفعلوا ما فعلوا من المعاندة ما يجب أن يؤيس من ايمان من هو في هذا الوقت، وأي علقة بين الموضوعين والحالين؟ قيل: ليس كلما يطمع فيه يؤيس منه على وجه الاستيقان بانه لا يكون، لأن الواحد من افناء العامة لا يطمع ان يصير ملكا. ومع ذلك لا يمكن القطع على كل حال ان ذلك لا يكون ابداً.

السابقالتالي
2