الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

قرأ ابن كثير وحده ها هنا عما يعملون بالياء الباقون بالتاء.

الخطاب بقوله: { قلوبكم } قيل فيمن يتوجه اليه قولان:

احدهما ـ انه اريد بنو اخى المفتول حين انكروا قتله بعد ان سمعوه منه عند احياء الله تعالى له، انه قتله فلان. هذا قول ابن عباس.

والثاني ـ قول غيره: أنه متوجه إلى بني اسرائيل كلهم. قال: وقوله: { من بعد ذلك } اي من بعد آيات الله كلها التي اظهرها على يد موسى. وعلى الوجه الاول يكون ذلك اشارة إلى الاحياء.

ومعنى { قست قلوبكم } اي: غلظت ويبست وعتت.

اللغة:

القسوة: ذهاب اللين، والرحمة والخشوع، والخضوع. ومنه يقال: قسا قلبه يقسو قسوا وقسوة وقساوة. وقوله من بعد ذلك اي من بعد احياء الميت لكم ببعض من اعضاء البقرة بعد ان تدارأوا فيه واخبرهم بقاتله، والسبب الذى من اجله قتله. وهذه آية عظيمة كان يجب على من شاهد هذا ان يخضع ويلين قلبه. ويحتمل ان يكون من بعد احياء الميت. والآيات الاخرى التي تقدمت كمسخ القردة والخنازير ورفع الجبل فوقهم وانبجاس الماء من الحجر وانفراق البحر وغير ذلك. وانما جاز ذلك وان كانوا جماعة. ولم يقل ذلكم، لان الجماعة: في معنى الجمع والفريق. فالخطاب في لفظ الواحد ومعناه جماعة.

قوله: { فهي كالحجارة } يعني قلوبهم، فشبهها بالحجارة في الصلابة واليبس والغلظ والشدة: اي اشد صلابة، لامتناعهم بالاقرار اللازم من حقه الواجب من طاعته بعد مشاهدة الآيات. ومعنى " أو " في الآية: يحتمل امور:

احدها ذكره الزجاج: فقال هي بمعنى التخيير كقولك جالس الحسن او ابن سيرين ايهما جالست جائز، فكانه قال: ان شبهت قلوبهم بالحجارة جاز، وان شبهتها بما هو اصلب كان جائزاً.

والثاني ان تكون " أو " بمعنى الواو. وتقديره: فهي كالحجارة واشد قسوة، كما قال:وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون } ومثله قول جرير:
نال الخلافة او كانت له قدرا   كما اتى ربه موسى على قدر
وقال توبة ابن الحمر:
وقد زعمت ليلى باني فاجر   لنفسي تقاها او عليها فجورها
اي وعليها. ومثله قوله تعالى:ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن او آباء بعولتهن } .. الآية. والثالث ان يكون المراد الابهام على المخاطبين كما قال ابو الاسود الدؤلي:
احب محمداً حباً شديداً   وعباساً وحمزة والوصيا
فان يك حبهم رشداً اصبه   ولست بمخطىء إن كان غيا
وأبو الاسود لم يكن شاكا في حبهم ولكن ابهم على من خاطبه. وقيل لابي الاسود حين قال ذلك: شككت قال كلا ثم استشهد بقوله تعالى:قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ظلال مبين } افتراه كان شاكا حين اخبر بذلك.

والرابع ـ ان يكون اراد بل اشد قسوة، ومثله { وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون } اي بل يزيدون، ولا تكون بل للاضراب عن الاول بل مجرد العطف.

السابقالتالي
2 3 4