الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

روي ابن سيرين عن ابي عبيدة السلماني قال: كان رجل من بنى اسرائيل عقيما، وله مال كثير. فقتله وارثه وجره، فقدمه على باب اناس آخرين، ثم اصبح يدعيه عليهم حتى تسلح هؤلاء وهؤلاء، وارادوا ان يقتتلوا فقال ذووا النهى: أتقتتلون وفيكم نبي الله؟ فامسكوا حتى اتوه، فامرهم أن يذبحوا بقرة، فيضربوه ببعضها. فقالوا: اتتخذنا هزواً. قال: اعوذ بالله ان اكون من الجاهلين. قال: فوجدوها عند رجل. فقال: لا ابيعها إلا بملء جلدها ذهبا. وكان بارا بابيه. فعوضه الله عن ذلك وجازاه عن بره بابيه، اذ باع البقرة بملء جلدها ذهبا فضربوه ببعضها. فتكلم. فقال: قتلني فلان، ثم عاد ميتاً فلم يورث قاتل بعده. واختلفوا [في البعض من البقرة المضروب به القتيل]. فقال الفراء: ضرب بذنبها. وقال البعض اقل من النصف. وقال ابن زيد: ضرب ببعض ارابها. وقال ابو العالية: ضرب بعظم من عظامها. وقال السدي: ضرب بالبضعة التي بين الكتفين. وقال مجاهد، وعكرمة، وقتادة: ضرب بفخذ البقرة. والهاء في قوله فاضربوه كناية عن القتيل والهاء في قوله: ببعضها كناية عن البقرة. وهذه الاقاويل كلها محتملة الظاهر. والمعلوم ان الله تعالى امر ان يضرب القتيل ببعض البقرة. ولا يضر الجهل بذلك البعض بعينه، وانما امرهم بذلك لانهم اذا فعلوه احيي الميت. فيقول فلان قتلني: فيزول الخلف، والتداري بين القوم. والقديم تعالى، وان كان قادراً على الاخبار بذلك فان هذا اظهر. والاخبار به أعجب لانه معجز خارق للعادة.

والتقدير في الآية فقلنا اضربوه ببعضها فضربوه فحيي كما قال: { اضرب بعصاك الحجر فانفلق } تقديره فضرب، فانفلق. وكذلك قوله: { يحيي الموتى } فيه اضمار كانه قال: فقلنا اضربوه ببعضها فحيي كذلك يحيي الله الموتى اي اعلموا ان ما عاينتموه ان الله قادر على ان يحيي الموتى للجزاء، والحساب الذي اوعدكم به. ولما ضربوه ببعض البقرة، احياه الله تعالى، فقال: قتلني ابن اخي ثم قبض. وكان اسمه عاميل. فقال بنو اخيه والله ما قتلناه وكذبوا الحق بعد معاينته. وانما جعل سبب احيائه الضرب بموات لا حياة فيه، لئلا يلتبس على ذي شبهة ان الحياة انتقلت اليه مما ضرب به لتزول الشبهة، وتتأكد الحجة.

وقوله: { كذلك يحيي الله الموتى } يحتمل ان يكون حكاية عن قول موسى لقومه. ويحتمل ان يكون خطابا من الله تعالى لمشركي قريش.

وقوله: { لعلكم تعقلون } اي لتعقلوا. وقد كانوا عقالا قبل ذلك، لأن من لا عقل له، لا تلزمه الحجة، لكنه اراد تنبيههم، وان يقبلوا ما يدعون اليه، ويطيعوه ويعرفوه حق معرفته.