الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ }

المعنى ان البقرة التي امرتكم بذبحها، لا ذلول أي لم يذللها العمل باثارة الارض باظلافها. ولا تسقي الحرث. معناه: ولا يستقى عليها الماء، فيسقى الزرع. كما يقال للدابة التي قد ذللها الركوب والعمل. تقول دابة ذلول بين الذل ـ بكسر الذال - وفي مثله من بني آدم رجل ذليل بين الذل والمذلة. قال الزجاج: يحتمل أن يكون اراد ليست بذلول وهي تثير الارض. ويحتمل: انها ليست ذلولة، ولا مثيرة الارض قيل: إنها كانت وحشية في قول الحسن مسلمة. معناه: من السلامة. يقال منها سلمت تسلم، فهي مسلمة من الشية.

لاشية فيها لا بياض فيها، ولا سواد. وقال قتادة مسلمة من العيوب: وبه قال الربيع. وقال ابن جريج: لا عوان فيها. قال المؤرخ: لاشية فيها: أي لا وضح فيها بلغة اردشنوه والذي قال اهل اللغة { لاشية فيها }: اي لا لون يخالف لون جلدها واصله: وشى الثوب واصله تحسين عيوب الشيء، يكون فيه بضروب مختلفة من الوان سداه، ولحمته يقال منه: وشيت الثوب: اشيه شية ووشيا. ومنه قيل للساعي بالرجل إلى السلطان، أو غيره واش لكذبه عليه عنده. وتحسينه كذبه عنده بالاباطيل يقال: وشيت به وشاية. قال كعب بن زهير:
يسعى للوشاة بجنبيها وقولهم   انك يابن ابي سلمى لمقتول
يعني: انهم يتقولون الاباطيل، ويخبرونه انه إن الحق بالنبي (صلى الله عليه وسلم) قتله وقال بعض اهل اللغة ان الوشي: العلامة واصله: شية من وشيت، لكن لما اسقطت منها الواو وابدلت مكانها الهاء في اخرها: كما قالوا: وزنته زنة ووعدته عدة. وكذلك وشيته شية.

وقالوا: { الآن جئت بالحق } موصولة الهمزة واذا ابتدأت، قطعت الالف الاولى، لأن الف الوصل إذا ابتدىء بها قطعت. قال الفراء: والاصل الاوان. فحذفت الواو. والالف واللام دخلتا في آن لانهما ينوبان عن الاشارة. المعنى انت إلى هذا الوقت تفعل هذا. فلم تعرب الآن كما لم تعرب هذا. ومن العرب من يقول { قالوا الآن جئت بالحق } ويذهب الوصل ويفتح اللام، ويحذف الهمزة التي بعد اللام. ويثبت الواو في (قالوا) ساكناً، لأنه انما كان يذهبه لسكون اللام. واللام قد تحركت، لأنه حوّل عليها حركة الهمزة قال الشاعر:
وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة   فبح لان منها بالذي انت بايح
المعنى:

ومعنى قوله: { الآن جئت بالحق } يحتمل امرين:

احدهما ـ الان بينت الحق. وهو قول قتادة. وهذا يدل على انه كان فيهم من يشك في ان موسى (ع) ما بيّن الحق. وقال عبد الرحمان: يريد انه حين بينها لهم، قالوا هذه بقرة فلان. الآن جئت بالحق وهو قول من جوزانه قبل ذلك لم يجىء بالحق على التفصيل ـ وإن تى به على وجه الجملة ـ وقوله: { فذبحوها وما كادوا يفعلون } يحتمل امرين:

احدهما ـ كادوا لا يفعلون اصلا، لغلاء ثمنها، لأنه حكي عن ابن عباس ومحمد ابن كعب انهم اشتروها بملء جلدها ذهباً من مال المقتول.

السابقالتالي
2 3