الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }

القراءة ـ أجمع القراء السبعة على كسر الغين وضم التاء، وروي عن بعض القراء فتح الغين، وعن الحسن ضم الغين. وحكي عن عاصم في الشواذ: غشاوةً، بنصب التاء، ولا يقرأ بجميع ذلك.

التفسير

{ ختم الله على قلوبهم } أي شهد عليها بانها لا تقبل الحق، يقول القائل: أراك تختم على كل ما يقول فلان، أي تشهد به وتصدقه، وقد ختمت عليك بانك لا تعلم، أي شهدت، وذلك استعارة. وقيل ان ختم بمعنى طبع فيها أثراً للذنوب كالسمة والعلامة لتعرفها الملائكة فيتبرءوا منهم، ولا يوالوهم، ولا يستغفروا لهم مع استغفارهم للمؤمنين. وقيل: المعنى في ذلك أنه ذمهم بانها كالمختوم عليها في انها لا يدخلها الايمان ولا يخرج عنها الكفر قال الشاعر:
لقد أسمعت لو ناديت حياً   ولكن لا حياة لمن تنادي
أي كأنه لا حياة فيه. والختم آخر الشيء ومنه قوله تعالى:ختامه مسك } ومنه: خاتم النبيين أي آخرهم. ومنه: ختم الكتاب لأنه آخر حال الفراغ منه والختم الطبع والخاتم الطابع.

وما يختم الله على القلوب من السمة والعلامة التي ذكرناها ليست بمانعة من الايمان كما أن ختم الكتاب والظرف والوعاء لا يمنع من أخذ ما فيه.

وحكي عن مجاهد أنه قال: الرّين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الختم ومن الاقفال والقفل اشد من ذلك.

وقيل: إن قوله تعالى: { ختم الله } إخبار عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا اليه من الحق كما يقال: فلان اصم عن هذا الكلام اذا امتنع عن سماعه ورفع نفسه عن تفهمه.

والغشاوة: الغطاء وفيها ثلاث لغات: فتح الغين وضمها وكسرها وكذلك غشوة فيها ثلاث لغات. ويقال: تغشاني السهم اذا تجلله وكل ما اشتمل على شيء مبني على فعالة كالعمامة والقلادة والعصابة وكذلك في الصناعة كالخياطة والقصارة والصباغة والنساجة غير ذلك وكذلك من استولى على شيء كالخلافة والامارة والاجارة وغير ذلك.

قال ابو عبيدة: { وعلى سمعهم } معناه على اسماعهم ووضع الواحد موضع الجمع لأنه اسم جنس كما قال:يخرجكم طفلا } يعني اطفالا. ويجوز ان يكون اراد موضع سمعهم فحذف لدلالة الكلام عليه. ويجوز ان يكون اراد المصدر لأنه يدل على القليل والكثير؛ فمن رفع التاء قال: الكلام الاول قد تم عند قوله: { وعلى سمعهم } واستأنف: { وعلى أبصارهم غشاوة } وتقديره: وغشاوة على أبصارهم، ومن نصب قدّره، يعني: جعل على أبصارهم غشاوة، كما قال الشاعر:
علفتها تبناً وماء باردا   
وقال الآخر:
متقلداً سيفاً ورمحا   
لما دل الكلام الأول عليه، فاذا لم يكن في الكلام ما يدل عليه، لا يجوز إضماره، ويجوز أن ينصب بالفعل الأول الذي هو الختم، لأن الختم لا يطلق على البصر، كما ذكر في قوله تعالى: { وختم على سمعه وقلبه } ثم قال:

السابقالتالي
2