الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قوله: { بعثناكم } احييناكم. عند اكثر المفسرين: كالحسن، وقتادة، وغيرهما.

وقال السدي: بعثناكم أنبياء. والأول أصح لانه ظاهر الكلام. فلا يجوز العدول عنه وأصل البعث: إثارة الشيء من محله، ومنه قيل: بعث فلان راحلته: اذا اثارها من مبركها للسير. ومنه قولهم بعثت فلانا لحاجتي: اذا اقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجه فيها. ومن ذلك قيل: ليوم القيامة يوم البعث لأنه يوم تثار فيه الناس من قبورهم لموقف الحساب.

اللغة:

والبعث والارسال وكل الاطلاق نظائر. يقال: بعثت بعثا. وانبعثت انبعاثا. وتبعثت تبعثة. وبعثته من نومه فانبعث. اي نبهته فانتبه. وتقول: ضرب البعث على الجند. اذا بعثوا إلى العدو. وكل قوم يبعثون إلى وجه او في امر فهم بعث. وأصل الباب: البعث وهو الارسال. وكل باعث فاعل. واما المبعوث فقد يكون فاعلا، وقد لا يكون. يقال: بعث الله عليهم ريحا فاقتلعتهم والريح مبعوثة. ويقال: الشهوة للشيء تبعث على الطلب له. فان قيل: هل يجوز ان يرد الله احداً إلى التكليف بعد ان مات، وعاين ما يضطره إلى معرفته بالله؟ قيل: في ذلك خلاف قال ابو علي: لا يجوز ذلك إلا على من لم يضطره الله إلى معرفته وقال بعضهم: يجوز التكليف في الحكمة. وان اضطر إلى المعرفة. وقول ابي علي أقوى. واعل الرماني قول ابي علي، فان قيل: لما كانت المعرفة لاجل الطاعات التي كلفها العبد كانت هي الغرض الذي يتبعه سائر الطاعات فلو ارتفع الغرض، ارتفع التابع له. كما ان الغرض في الشرائع الاستصلاح في الاصول التي تجب بالعقل فلو ارتفع ذلك الغرض، ارتفع وجوب العمل بالشرع. وكما انه لا يجوز تكليف الطاعة مع رفع التمكن مع المعرفة من غير ضرورة اليها قال: ووجه القول الثاني أنه لما كان الشكر على النعمة يجب في المشاهد مع الضرورة إلى معرفة النعم، كان الشكر للنعمة التي هي اجل من نعمة كل منعم في الشاهد اولى ان تجب مع الاضطرار إلى المعرفة. ولابي علي ان يقول لا نمنع من الوجوب، لكن لا يجوز التكليف، لأن الغرض المعرفة. اي هي اصل ما وقع التكليف به للعباد. والذي اقوله: إن الذي يحيى بعد الاماتة، ان كان لم يخلق له المعرفة الضرورية لم يضطر إليها، فانه يمتنع تكليفه، لأن العلم بان الاحياء بعد الاماتة، لا يقدر عليه غير الله طريقه الدليل وغوامض الاستدلال، فليس احياؤه بعد الاماتة ما يوجب ان يكون مضطرا إلى معرفته، فلذلك يصح تكليفه، وليس الاحياء بعد الاماتة الا كالانتباه من النوم والافاقة بعد الغشية فان ذلك لا يوجب علم الاضطرار. وان فرضنا انه خلق فيه المعارضة ضرورة، فلا يحسن تكليفه لأن حسن التكليف موقوف على ازاحة علة المكلف من فعل اللطف، والاقدار وغير ذلك.

السابقالتالي
2