الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قيل في معنى ما وقع العفو عنهم بقوله: { ثم عفونا عنكم } قولان:

احدهما ـ انا تركنا معاجلتكم بالعقوبة من بعد اتخاذكم العجل الهاً.

والآخر ـ عفونا عنكم بقبول التوبة من عبادة العجل.

اللغة:

والعفو، والصفح، والمغفرة، والتجاوز، نظائر. فالمغفرة نقيض العقوبة. ويقال عفا عفواً واعفاه واعفاء واستعفى استعفاء، وعفى تعفية وعافاه معافاة وتعفى تعفيا. وتعافى تعافيا، واعتفاه اعتفاء. والعفو احل المال واطيبه. والعفو: المعروف. والعفاة: طلاب المعروف. وهم المعتفون. تقول: اعتفيت فلانا اذا طلبت معروفه وفضله. والعافية من الطير والدواب الرزق. اسم جامع لها. ومنه قوله (ع) من غرس شجرة مثمرة فما اكلت العافية منها كتب له صدقة. والعافية دفاع الله عن العبد يقول عافاه الله من مكروه وهو يعافيه معافاة. والاستعفاء: ان تطلب إلى من كلفك امرا ان يعفيك منه، وعفى الشيء: اذا كثروا عفيته: اذا اكثرته: قال تعالى { حتى عفوا }. ومنه اعفاء اللحية: اكثارها. وعفى: درس يقال اخذ من فلان ما عفا، وصفا. والعفا: التراب تقول: يعفيه العفا. وعليه العفا. والعفا الدروس قال زهير:
على اثار ما ذهب العفاء   
ومنه عفت الديار. والريح تعفو الديار عفاء، وعفوا. وتعفت الدار والاثر تعفياً والعَفوة والعِفوة والعُفوة. والجمع العفو: وهي الحمر الأفتأ والفتيات. والعفاء. ما كثر من الوبر والريش وناقة ذات عفاء كثيرة الوبر طويلة والعفو: ولد الاتان الوحشية. وأصل الباب: الترك. ومنه قوله: { فمن عفي له من أخيه شيء } من ترك له. وعفو الشيء صفوه ومعنى { لعلكم } في الآية لكي تشكروا وقيل: معناه التعريض كانه قال: عرضناكم للشكر.

وقوله: { من بعد ذلك } ـ وان كان اشارة إلى الواحد ـ فمعناه الجمع. وانما كان ذلك كذلك، لان ذا اسم مبهم فمرة يأتي على الاصل، ومرة يأتي على مشاكلة اللفظ. اذا كان لفظ المبهم على الواحد وان كان معناه الجمع على انه قد يخاطب بلفظ الواحد ويراد به الجمع كقوله: { يا أيها النبي } ثم قال: { إذا طلقتم النساء }.

وقوله: { من بعد ذلك } إشارة إلى اتخاذهم العجل الهاً.

وقوله: { لعلكم تشكرون }.

اللغة:

فالشكر: هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب من التعظيم. قال الرماني: الشكر هو الاظهار للنعمة. والصحيح هو الاول لأنه قد يظهر النعمة من لا يكون شاكرا لها. والفرق بين الشكر والمكافاة ان المكأفاة من التكافؤ وهو التساوي، وليس كذلك الشكر ففي مكافأة النعمة دلالة على انه قد استوفى حقها. وقد يكون الشكر مقصرا عنها وان كان ليس على المنعم عليه اكثر منه الا انه كلما ازداد من الشكر، حسن له الازدياد وان لم يكن واجبا لأن الواجب لا يكون إلا متناهياً وذلك كالشكر لنعمة الله لو استكثرته غاية الاستكثار لم يكن لينتهي الى حد لا يجوز له الازدياد لعظم نعم الله عز وجل وصغر شكر العبد.

السابقالتالي
2