الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَٰعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ }

قرأ ابن كثير وأهل البصرة " لا يقبل منها بالياء " الباقون بالتاء.

الاعراب:

موضع { لا تجزي } نصب لأنه صفة يوم. والعائد عند الكسائي لا يكون إلا هاء محذوفة من تجزيه وقال بعضهم: لا يجوز إلا فيه: وقال سيبويه والاخفش والزجاج: يجوز الأمران.

المعنى:

قال ابو علي المعنى في قوله { ولا يقبل منها شفاعة } فمن ذهب إلى ان (فيه) محذوفة من قوله { واتقوا يوماً لا تجزي } ، جعل (فيه) بعد قوله { ولا يقبل } ومن ذهب إلى انه حذف الجار، وأوصل الفعل إلى المفعول، ثم حذف الراجع من الصفة كما يحذف من الصلة، كان مذهبه في قوله: لا يقبل ايضاً مثله وحذف الهاء من الصفة يحسن كما يحسن حذفها من الصلة ألا ترى ان الفعل لا يتسلط بحذف المفعول منه على الموصوف كما لا يتسلط بذلك على الموصول؟ ومما حذف منه الراجع إلى الصفة قوله:
وما شيء حميت بمستباح   
ومن الحذف قوله:
تروّحي اجدران تقيلي   غدا بجنبي بارد ظليل
المعنى: تأتي مكانا اجدران تقيلي فيه فحذف الجار ووصل الفعل ثم حذف الضمير: ونظير الآية قول الراجز:
قد صبحت صبيحها السلام   بكبدٍ خالطها السنام
في ساعة يحبها الطعام   
أي تحب الطعام فيها.

اللغة:

والمجازاة والمكافأة والمقابلة نظائر. يقال: جزى يجزي جزاء، وجازاه مجازاة، وتجازوا تجازيا: قال صاحب العين: المجازاة: المكافأة بالاحسان احساناً وبالاساءة اساءة وفلان: ذو جزاء وذو غناء وتقول هذا الشيء يجزىء عن هذا بهمز وتليين وفي لغة يجزي أي يكفي واصل الباب مقابلة الشيء بالشيء.

المعنى:

ومعنى قولهلا تجزي نفس عن نفس شيئاً } أي لا تقابل مكروهها بشيء يدرأه عنها. قال الله تعالى:هل تجزون إلا ما كنتم تعملون } وقال:اليوم تجزى كل نفس ما كسبت } والفرق بين المقابلة والمجازاة ان المقابلة قد تكون للمساواة فقط كمقابلة الكتاب بالكتاب والمجازاة تكون في الشر بالشر والخير بالخير. ومعنى قوله { لا تجزي } أي لا تغني وهو قول السدي كما تقول: البقرة تجزي عن سبعة وهي لغة أهل الحجاز. وبنو تميم تجزىء بالهمزة من اجزاه: والأول من جزت وقال الاخفش لا تجزي منها أي لا يكون مكانها بدلا منها وأنكر عليهم ذلك لقوله: { شيئاً }.

وجعل الأخفش لا تجزي منها { شيئاً } في موضع المصدر كأنه يقول لا تجزي جزاء ولا تغني غناء قال الرماني والاقرب ان تكون { شيئاً } في موضع حقاً كأنه قيل لا يؤدي عنها حقا وجب عليها. وقال بعضهم { لا تجزي } بمعنى لا تقضي.

وقبول الشيء تلقيه والاخذ به وضده الاعراض عنه ومن ثم قيل لتجاه القبلة قبالة. وقالوا: أقبلت المكواة الداء أي جعلتها قبالته ويجوز ان يكون المخاطبون بذلك اليهود، لأنهم زعموا ان اباءهم الانبياء وتشفع لهم واويسوا بقوله { قل فلم يعذبكم بذنوبكم } وبقوله: { لا يقبل منها شفاعة } والقبول والانقياد والطاعة والاجابة نظائر ونقيضها الامتناع يقال قبل قبولا، وأقبل اقبالا، وقابله مقابلة وتقابلوا تقابلا، واستقبله استقبالا، وتقبل تقبالا، وقبله تقبيلا وقبل نقيض بعد والقبل خلاف الدبر والقبل اقبالك على الشيء كأنك لا تريد غيره والقبل الطاقة تقول لا قبل لي أي لا طاقة لي.

السابقالتالي
2 3 4 5