الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِي ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى ٱلْعَٰلَمِينَ }

المعنى:

قد مضى تفسير مثل هذا في ما تقدم فلا وجه لاعادته. وأما قوله: { وأني فضلتكم على العالمين } ذكرهم الله تعالى من الآية ونعمه عندهم بقوله: { وأني فضلتكم على العالمين } فضلت اسلافكم، فنسب النعمة إلى آبائهم واسلافهم، لأنها نعمة عليهم منه، لأن مآثر الآباء مآثر الابناء، والنعم عند الاباء نعم عند الأبناء لكون الابناء من الآباء. وقوله { فضلتكم }.

اللغة:

فالتفضيل، والترجيح، والتزييد، نظائر. والتفضيل نقيضه: التسوية. يقال: فضله وتنقصه على وجهة النقص ونقيض التزييد: التنقيص. يقال: فضل فضلا وافضل افضالا. وتفضل تفضلا واستفضل استفضالا. وتفاضلوا تفاضلا وفاضله مفاضلة. وفضله تفضيلا. والمفضال: اسم المفاضلة. والفضيلة: الدرجة الرفيعة في الفضل. والتفضل: التوشح. ورجل فضل: متفضل. وامرأة متفضلة، وعليها ثوب فضل: اذا خالفت بين طرفيه على عاتقها فتتوشح به قال الشاعر:
" اذا تعود فيه الفسه الفضل "   
وافضل فلان على فلان: اذا أناله من خيره وفضله، واحسن اليه. وافضل فلان من الطعام والأرض والخبز: اذا ترك منه شيئاً. لغة أهل الحجاز: فضل يفضل ورجل مفضال: كثير المعروف والخير. والفضائل: واحدها فضيلة. وهي المحاسن. والفواضل: الأيادي الجميلة. وثوب المفضل: ثوب تخفف به المرأة في بيتها والجمع مفاضل. وامرأة مفضل: اذا كان عليها مفضل. واصل الباب: الزيادة. والافضال، والاحسان، والانعام نظائر. ويقال فضله: اذا اعطاه الزيادة وفضله اذا حكم له بالزيادة.

فان قيل لم كرر قوله: { يا بني إسرائيل }؟ قلنا: لأنه لما كانت نعم الله هي الأصل فيما يجب فيه شكره وعبادته، احتيج إلى تأكيدها. كما يقول القائل: اذهب اذهب: اعجل اعجل وغير ذلك في الأمر المهم، وايضاً فان التذكير الأول ورد مجملا، وجاء الثاني مفصلا، كأنه قال اذكروا نعمتي التي انعمت عليكم فيما انتم عليه من المنافع التي تتصرفون فيها وتتمتعون بها، وإني فضلتكم على العالمين. ودل هذا على قوله: { وأني فضلتكم على العالمين } لأنها احدى الخصال التي ذكروا بها وجاءت عاطفة فدلت على خصلة قبلها: اما مذكورة او مقدرة. وإنما فضلوا بما ارسل الله فيهم من كثرة الرسل وانزل عليهم من الكتب: وقيل: تكثرة من جعل فيهم من الانبياء، وما انزل الله عليهم من المن والسلوى إلى غير ذلك من النعمة العظيمة من تغريق فرعون عدوهم، ونجاتهم من عذابه، وتكثير الآيات التي يخف معها الاستدلال، ويسهل بها كثرة المشاق. وهو قول اكثر أهل العلم كابي الغالية، وغيره. ونظير هذه الآية قوله { وإذ نجيناكم من آل فرعون } { وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون }.

وقوله { على العالمين }

المعنى:

قال أكثر المفسرين: انه أراد الخصوص ومعناه عالمي زمانهم. ذهب اليه قتادة والحسن وابو الغالية ومجاهد وغيرهم. وقال بعضهم: اذا قلت فضل زيد على عمرو في الشجاعة لم يدل على انه أفضل منه على الاطلاق، ولا في جميع الخصال فعلى هذا يكون التخصيص في التفضيل لا في العالمين. وامة نبينا محمد " صلى الله عليه وسلم " أفضل من أولئك بقوله:كنتم خير أمة أخرجت للناس } وعليه اجماع الامة، لأنهم اجمعوا على ان امة محمد " صلى الله عليه وسلم " أفضل من سائر الامم كما ان محمداً " صلى الله عليه وسلم " أفضل الأنبياء من ولد آدم " ع ".