الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ }

ان قيل كيف اخبر الله عمن وصفه بالخشوع بالطاعة، ومدحهم بذلك بانهم يظنون بانهم ملاقوا ربهم. وذلك مناف لصفة المدح؟ قلنا: الظن المذكور في الآية المراد به العلم واليقين. قال دريد بن الصمة:
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج   سراتهم في الفارسيّ المسرد
وقال عمير بن طارق:
بان تغتزوا قومي واقعد فيكم   واجعل مني الظن غيباً مرجماً
وقال ابو داود:
رّب هم فرجته بعزيم   وغيوب كشفتها بظنون
وقال المبرد: ليس من كلام العرب: أظن عند زيد مالاً، يريد: أعلم لأن العلم المشاهد لا يناسب باب الظن. وقد أفصح في ذلك أوس بن حجر في قوله:
الألمعي الذي يظن بك الظن   كأن قد رأي وقد سمعا
وقال آخر:
فالاّ ياتكم خبر يقين   فان الظن ينقص او يزيد
وقال بعض الشيوخ: اصل الظن ما يجول في النفس من الخاطر الذي يغلب على القلب، كأنه حديث النفس بالشيء، وتأول جميع ما في القرآن من معنى العلم على هذا. وقال الحسن وابو الغالية ومجاهد وابن جريح: يظنون، أي يوقنون. ومثله:ظننت أني ملاقٍ حسابيه } أي علمت ومثله:وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه } ومعناه استيقنوا. وقوله:ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها } يعني: علموا. وقد جاء في القرآن الظن بمعنى الشك كقوله:إن هم إلا يظنون } وقوله:إن الظن لا يغني من الحق شيئا } وقال قوم: يحتمل قوله { يظنون } وجها آخراً، وهو انهم يظنون انهم ملاقوا ربهم بذنوبهم لشدة اشفاقهم من الاقامة على معصية الله، وهذا وجه مليح، وقد استعبده الرماني وقال: لأن فيه حذوفا كثيرة، وليس بمنكر اذا كان الكلام محتملاً له. وقيل أيضاً: الذين يظنون إنقضاء اجلهم وسرعة موتهم فيكونون ابداً على حذر ووجل، كما يقال لمن مات: لقي الله. والظن والشك والتجويز نظائر، إلا ان الظن فيه قوة على أحد الأمرين دون الآخر، وحده ما قوي عند الظان كون المظنون على ما ظنه مع تجويزه ان يكون خلافه. فبالتجويز ينفصل من العلم، وبالقوة ينفصل من الشك والتقليد وغير ذلك. وضد الظن اليقين ويقال ظن ظنا وتظنن تظننا. وقال:وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } وقوله:وظننتم ظن السوء } والظنين المتهم، ومصدره الظنة والظنون الرجل السيء الظن بكل احد، والظنون القليل الخير، والتظني والتظنن بمعنى واحد. والظنون البئر التي يظن ان بها ماء ولا يكون فيها شيء، ومظنة الرجل ومظانه حيث يألفه فيكون فيه.

ومعنى قوله { أنهم ملاقوا ربهم } اي ملاقوا جزاء ربهم، فجعل ملاقاة الجزاء ملاقاة له تفخيما وتعظيماً لشأن الجزاء. وأصل الملاقاة الملاصقة، من قولك التفى الحدان اي تلاصقا، ثم كثر حتى قالوا التقى الفارسان اذا تحاذيا ولم يتلاصقا. ومثل ما قلنا في قوله { ملاقوا ربهم } قوله تعالى:

السابقالتالي
2