الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ }

قال الجبائي: هذا خطاب للمؤمنين دون أهل الكتاب. وقال الطبري، والرماني: هو خطاب لأهل الكتاب، ويتناول المؤمنين على وجه التأديب. والأقوى أن يكون خطاباً لجميع من هو بشرائط التكليف، لفقد الدلالة على التخصيص، واقتضاء العموم ذلك. فمن قال: إنه خطاب لأهل الكتاب، قال: لأنه قال: واستعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتكم في كتابكم عليه: من طاعتي، واتباع أمري واتباع رسولي، وترك ما نهيتكم عنه، والتسليم لأمري ولمحمد " صلى الله عليه وسلم " بالصبر والصلاة.

اللغة:

وأصل الصبر: هو منع النفس محابها، وكفها عن هواها. ومنه الصبر على المصيبة، لكفه نفسه عن الجزع. وقيل لشهر رمضان: الصبر، لصبر صائمه عن الطعام والشراب نهاراً وصبرت إياهم صبرة: حبسه لهم، وكفه إياهم عنه، كما يصبر الرجل القتيل، فيحبسه عليه، حتى يقتله صبراً يعني حبسه عليه، حتى قتله. والمقتول: مصبور. والقاتل: صابر. والصبر. واللبث، والحبس، نظائر. والصبر: ضد الجزع. وأنشد أبو العباس:
فان تصبرا، فالصبر، خيرُ معيشة   وإن تجزعا، فالأمر ما تريان
ويقال: صبر صبراً. وتصبر تصبراً. واصطبر، اصطباراً. وتصابر تصابراً. وصابره مصابرة. قال صاحب العين: الصبر: نصب الانسان للقتل. فهو مصبور. يقال: صبروه أي نصبوه للقتل. ويقال: صبرته أي حلفّته بالله جهد نفسه. وكل من حبسته لقتل أو يمين، فهو قتل صبر ويمين صبر. والصبر: عصارة شجر معروف. والصبار: تمر الهند. وصبر الاناء ونحوه: نواحية. وأصبار القبر: نواحيه. والصبرة من الحجارة: ما اشتد وغلظ. والجمع: الصبّار. وأم صبار: هي الداهية الشديدة. وصبر كل شيء: أعلاه. وصبير القوم: الذي يصبر معهم في أمرهم وصبر الخِوان: رقاقة غليظة تبسط تحت ما يؤكل من الطعام. وتقول: اشتريت الشيء بلا صبر أي بلا كيل والصبير: الكفيل واصل الباب: الصبر الذي هو الحبس.

المعنى:

والصبر خلق محمود، أمر الله تعالى به ودل عليه، فقال:واصبر وما صبرك إلا بالله } وقال:اصبروا وصابروا } وقال:وبشر الصابرين } وقال:واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور } وفى الحديث: " اقتلوا القاتل، واصبروا الصابر " وذلك فيمن أمسكه حتى قتله آخر فأمر بقتل القاتل، وحبس الممسك. والصبر المأمور به في الآية، قيل: فيه قولان: أحدهما ـ الصبر على طاعته واجتناب معصيته. والثاني ـ أنه الصوم. وفي الصلاة ها هنا قولان: أحدهما ـ الدعاء. والثاني ـ أنها الصلاة الشرعية ذات الركوع والسجود. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا أحزنه أمر، استعان بالصلاة والصوم. ووجه الاستعانة بالصلاة، لمكان ما فيها من تلاوة القرآن والدعاء والخضوع لله تعالى، والاخبات. فان في ذلك معونة على ما تنازع اليه النفس من حب الرياسة والانفة من الانقياد إلى الطاعة.

والضمير في قوله: { وإنها لكبيرة } عائد على الصلاة عند أكثر المفسرين.

السابقالتالي
2