الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

المعنى:

كل طاعة لله تعالى، فلا خلاف أنها تسمى براً. واختلفوا في المراد بهذه الآية. فقال ابن عباس: المراد به التمسك بكتابهم، فكانوا يأمرون أتباعهم، ويتركون هم التمسك به، لأن جحدهم النبي " صلى الله عليه وسلم " هو تركهم التمسك به. وقال قتادة: كانوا يأمرون الناس بطاعة النبي " صلى الله عليه وسلم " ويخالفون ذلك وقال قوم: إن معناه: أنهم كانوا يأمرون ببذل الصدقة، ويضنون بها. وقال بعضهم: البر: الصدق من قولهم: صدق، وبر ومعناه: أنهم يأمرون بالصدق ولا يصدقون.

اللغة:

والبر ـ في أصول اللغة ـ والصلة، والاحسان، نظائر. يقال: هو بار وصول محسن. وضد البر: العقوق. وقال ابن دريد: البر ضد العقوق. ورجل بار وبر بمعنى واحد. وبرت يمينه: إذا لم يحنث. وبر حجه وبر ـ لغتان ـ والبر: خلاف البحر. والبر: ـ معروف ـ أفصح من الحنطة والقمح. واحدة برة. قال الهذلي:
لادر دري إن أطعمت نازلهم   قرف الحني وعندي البر مكنوز
الحني: ردي المقل خاصة. ومن أمثالهم: لا يعرف الهر من البر. واختلفوا في هذا المثل فقال الرماني: الهر: السنور. والبر: الفارة في بعض اللغات. أو دويبة تشبهها. وقال الاخفش: معناه: لا يعرف من يبره ممن يهر عليه. وقوم بررة أبرار والمصدر البر. ويقال: صدق وبر. وبرت يمينه أي صدقت. وكانت العرب تقول: فلان يبرر به أي يطيعه قال الراجز:
لاهم إن بكراً دونكا   يبرك الناس ويفجرونكا
والابرار: الغلبة يقال أبر عليهم فلان. قال طرفة:
ويبرون على الآي البر.   
والبربرة: كثرة الكلام، والجلبة باللسان. وأصل الباب كله: البر وهو: اتساع الخير. والفرق بين البر والخير، أن البر يدل على القصد، والخير قد يقع على وجه السهولة.

قوله: { وتنسون أنفسكم }.

اللغة:

فالنسيان، والغفلة، والسهو، نظائر. وضد النسيان: الذكر. تقول: نسي نسياناً. وأنساه، إنساء. وتناساه، تناسياً. وفلان نسي، كثير النسيان. والنسي، والمنسي. الذي ذكره الله تعالى:وكنت نسياً منسيا } وسمي الانسان إنساناً، إشتقاقاً من النسيان. وهو في الاصل: إنسيان. وكذلك إنسان العين. والجمع: أناسي. والنسا: عرق سيق بين الفخذين، فيستمر في الرجل. وهما نسيان. والجمع: أنساء. وهو في الفخذ. ويسمى في الساق: الطفل. وفي البطن: الحالبين وفي الظهر: الأبهر. وفى الحلق: الوريد. وفي القلب: الوتين. وفي اليد: الأكحل. وفي العين: الناظر. يقال: هو بهر الجسد، لأنه يمد جميع العروق. وأصل الباب: النسيان ضد الذكر. وقوله:نسوا الله فنسيهم } أي تركوا طاعته، فترك ثوابهم. ويقال: آفة العلم النسيان. والمذاكرة تحيي العلم. وحد النسيان: غروب الشيء عن النفس بعد حضوره لها. والفرق بين النسيان والسهو، أن السهو يكون ابتداءً وبعد الذكر. والنسيان لا يكون إلا بعد الذكر.

السابقالتالي
2 3