الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآمِنُواْ بِمَآ أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ وَلاَ تَكُونُوۤاْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَٰتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّٰيَ فَٱتَّقُونِ }

المعنى:

{ آمنوا } معناه صدِّقوا، لأنا قد بينا ان الايمان هو التصديق.

{ بما أنزلت } يعني بما انزلت على محمد " صلى الله عليه وسلم " من القرآن.

وقوله: { مصدقاً } يعني ان القرآن مصدق لما مع اليهود من بني اسرائيل من التوراة. وامرهم بالتصديق بالقرآن، واخبرهم ان فيه تصديقهم بالتوراة، لأن الذي في القرآن من الامر بالاقرار بنبوة محمد " صلى الله عليه وسلم " ، وتصديقه نظير الذي في التوراة والانجيل. وموافق لما تقدم من الاخبار به، فهو مصداق ذلك الخبر. وقال قوم: معناه انه مصدق بالتوراة والانجيل الذي فيه الدلالة على انه حق. والاول الوجه، لأن على ذلك الوجه حجة عليهم، دون هذا الوجه.

الاعراب:

ونصب { مصدقاً } على الحال من الهاء المحذوفة، كانه قال: انزلته مصدقاً ويصلح ان ينصب بـ { آمنوا } كأنه قيل: آمنوا بالقرآن مصدقاً.

والمعنيُّ بقوله: { آمنوا } اهل الكتاب من بني اسرائيل، لأنه في ذكرهم. وفيه احتجاج عليهم، اذ جاء بالصفة التي تقدمت بها بشارة موسى وعيسى عليهما السلام وهو امرٌ بالاقرار بالنبوة، وما جاءت به من الشريعة.

اللغة:

وانما وحد " كافراً " في قوله: { ولا تكونوا أول كافر } ، وقبله جَمَع، لما ذكره الفراء والأخفش: وهو أنه ذهب مذهب الفعل، كأنه قال: أول من كفر به. ولو أراد الاسم لما جاز إلا الجمع ومثل ذلك قول القائل للجماعة: لا تكونوا أول رجل يفعل ذلك قال المبرد: هذا الذي ذكره الفرّاء خارجٌ عن المعنى المفهوم، لأن الفعل ها هنا والاسم سواء. إذا قال القائل: زيد أول رجل جاء فمعناه أول الرجال الذين جاؤوا رجلاً رجلاً، ولذلك قال: أول كافر، وأول مؤمن ومعناه: أول الكافرين وأول المؤمنين لا فصل بينهما في لغة ولا قياس. ألا ترى أنك تقول: رأيت مؤمناً، ورأيت كافراً كما تقول: رأيت رجلاً لا يكون إلا ذلك، لأنك انما رأيت واحداً، كما تقول: رأيت زيداً أفضل مؤمن، وزيدٌ أفضل حرّ، وزيدٌ افضل رجل، وانبل غلام، وليس بين ذلك اختلاف. ولكن جاز ولا تكونوا أول قبيل كافر به، وأول حزب كافر به، وهو مما يسوغ فيه النعت، ويبين به الاسم، لأنك تقول: جاءني قبيلٌ صالح، وجاءني حيٌّ كريم، فينعت به الجمع، اذا كان الجمع اسماً واحداً لجميعه كقولك: نفر، وقبيل، وحزبٌ، وجمع ولا تقول: جاءني رجل كريم، وانت تريد برجل نفراً كما تقول: نفر كريم، لأن النعت جارٍ على المنعوت والاسم منفرد بنفسه ونظير قوله: { أول كافر } قول الشاعر:
فاذا همُ طَعِموا فألأم طاعم   واذا همُ جاعوا فشرُّ جِياع
المعنى:

ومعنى قوله: { ولا تكونوا أول كافر به } قال قوم: يعني بالقرآن من أهل الكتاب: لأن قريشاً كفرت به قبلهم بمكة.

السابقالتالي
2 3