الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

المعنى:

قد بينا معنى الهبوط فيما مضى بما فيه كفاية. وقال الجبائي: الهبوط الأول: هو الهبوط من الجنة إلى السماء، وهذا الهبوط من السماء إلى الأرض. وقد يستعمل في غير النزول من مكان عالٍ إلى أسفل. يقال هبط فلانٌ إلى أرض كذا، اذا أتاها، وإن لم يرد به النزول الذى فيه. إلا أن فيه إيماءً إلى هبوط المنزل قال لبيد:
كلُّ بني حرةٍ مصيرهم   قلَّ وإن أكثروا من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن   أمروا يوماً فهم للفناء والفند
الفنَدَ: الهرب. والاتيان، والمجيء، والاقبال، نظائر ونقيضه: الذهاب والانصراف ويقال: أتى، اتياناً، وأتى أتْياً، وتأتى، تأتياً وأتى تأتية وآتيت فلاناً على أمره مؤاتاةً ولا يقال أتية الا في لغة قبيحة لتيم

ودخلت (ما) في قوله مع " ان " التي للجزاء، ليصح دخول النون التي للتوكيد في الفعل ولو أسقطت (ما) لم يجز دخول النون، لأنها لا تدخل في الخبر الواجب الا في القسم، أو ما أشبه القسم كقولك: زيدٌ ليأتينك ولو قلت بغير اللام، لم يجز وكذلك تقول: بعينٍ ما أرينك ولو قلت: بعينٍ أرينك، بغير ما لم يجز فدخول (ما) ها هنا كدخول اللام في أنها تؤكد أول الكلام وتؤكد النون آخره. والأمر، والنهي، والاستفهام، تدخل النون فيه وان لم يكن معه (ما) اذا كان الأمر والنهي، مما تشتد الحاجة إلى التوكيد فيه والاستفهام مشبه به اذا كان معناه اخبرني والنون انما تلحق للتوكيد، فلذلك كان من مواضعها.

قال الله تعالى:ولا تقولنَّ لشيء إني فاعلٌ ذلك غداً } فان قيل: اين جواب اما؟ واين جواب من؟ قيل: الجزاء وجوابه بمنزلة المبتدا والخبر، لأن الشرط لا يتم الا بجوابه، كما لا يتم المبتدأ الا بخبره ألا ترى، انك لو قلت: إن تقم، وسكتت، لم يجز. كما لو قلت: زيد، لم يكن كلاما، حتى نأتي بالخبر. ولك أن تجعل خبر المبتدأ جملة، وهي أيضاً مبتدأ وخبر، كقولك: زيد أبوه منطلق. وكذلك (إن) التي للجزاء، إذا كان الجواب بالفاء، ووقع بعد الفاء الكلام مستأنفاً، صلح أن يكون جزاءً، وغير جزاء تقول: إن تأتي فأنت محمود ولك أن تقول: إن تأتني. فمن يكرمك أكرمه. وإن تأتني فمن يبغضك فلا وضيعة عليه.

وقوله: { إما يأتينكم } شرط، وجوابه الفاء. وما بعد قوله: { فمن } ، شرط آخر، وجوابه الذي بعده من قوله: { فلا خوف عليهم }. وهو نظير المبتدأ والخبر الذي يكون خبره مبتدأ وخبراً. وهذا في مقدمات القياسات، يسمى الشرطية المركبة. وذلك أن المقدم فيها إذا وجب، وجب التالي المرتب عليه.

و " الهدى " المذكور في الآية يحتمل أمرين: أحدهما ـ البيان والدلالة.

السابقالتالي
2 3