الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

آية بلا خلاف

الذين في موضع خفض لأنه نعت للمتقين، ويجوز ان يكون رفعاً على الابتداء و { يؤمنون } رفع لأنه فعل مستقبل والواو والنون في موضع رفع لأنه كناية عن الفاعل، والنون الأخيرة مفتوحة لأنها نون الجمع والصلاة نصب لأنها مفعول به. والايمان في اللغة هو التصديق، ومنه قوله: وما انت بمؤمن لنا. أي بمصدق لنا. وقال:يؤمِنُونَ بِالجبتِ والطاغوت } وكذلك هو في الشرع عند أكثر المرجئة ،والمراد بذلك التصديق بجميع ما اوجب الله او ندبه او اباحة وهو المحكي عن ابن عباس في هذه الاية لأنه قال: الذين يصدقون بالغيب.

وحكى الربيع بن انس انه قال: الذين يخشون بالغيب. وقال: معناه يطيعون الله في السر والعلانية. وقيل: إن الايمان مشتق من الامان، والمؤمن من يؤمن نفسه من عذاب الله، والله المؤمن لاوليائه من عذابه وذلك مروي في اخبارنا وقالت المعتزلة باجمعها: الايمان هو فعل الطاعة، ومنهم من اعتبر فرائضها ونوافها، ومنهم من اعتبر الواجب منها لا غير، واعتبروا اجتناب الكبائر من جملتها.

وروي عن الرضا عليه السلام: ان الايمان هو التصديق بالقلب والعمل بالاركان والقول باللسان. وقد بينا الاقوى من ذلك في كتاب الاصول.

واما { الغيب } فحكي عن ابن عباس انه قال: ما جاء من عند الله. وقال جماعة من الصحابة كابن مسعود وغيره: ان الغيب ما غاب عن العباد علمه من امر الجنة والنار والأرزاق والاعمال وغير ذلك، وهو الاولى لأنه عام، ويدخل فيه ما رواه اصحابنا من زمان الغية ووقت خروج المهدي عليه السلام. وقال قوم: الغيب هو القرآن، حكي ذلك عن زر بن جيش. وذكر البلخي ان الغيب كل ما ادرك بالدلائل والآيات مما تلزم معرفته. وقال الرماني: الغيب خفاء الشيء عن الحس قرب أو بعد إلا انه قد كثرت صفة الغائب على البعيد الذي لا يظهر للحس.

واصل الغيب من غاب يقولون: غاب فلان يغيب، وليس الغيب ما غاب عن الادراك لأن ما هو معلوم وان لم يكن مشاهداً، لا يسمى غيباً، والأولى ان تحمل الآية على عمومها في جميع من يؤمن بالغيب، وقال قوم: انها متناولة لمؤمني العرب خاصة دون غيرهم من مؤمني أهل الكتاب، قالوا بدلالة قوله فيما بعد { والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك } قالوا ولم يكن للعرب كتاب قبل الكتاب الذي انزله الله على نبيه تدين بتصديقه، وانما الكتاب لأهل الكتابين وهذا غير صحيح لأنه لا يمنع أن تكون الآية الاولى عامة في جميع المؤمنين المصدقين بالغيب وإن كانت الآية الثانية خاصة في قوم لأن تخصيص الثانية لا يقتضي تخصيص الأولى.

وقال قوم: انهما مع الآيتين اللتين بعدهما أربع آياتٍ نزلت في مؤمني أهل الكتاب، لأنه ذكرهم في بعضها.

السابقالتالي
2