الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَسَوَّٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

المعنى:

{ هو } كناية عن الله عز وجل في قوله: { تكفرون بالله } واراد به تأكيد الحجة فقال: { كيف تكفرون بالله } الذي احياكم بعد موتكم { ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون الذي خلق لكم ما في الأرض } يعني الذي في الارض.

و { ما } في موضع نصب، لأن الأرض وجميع ما فيها نعمة من الله لخلقه: اما دينية فيستدلون بها على معرفته، وإما دنيوية فينتفعون بها لضروب النفع عاجلا

وقوله: { ثم استوى إلى السماء } فيه وجوه:

احدها ـ ما قاله الفراء: من ان معناه اقبل عليها. كما يقول القائل: كان فلان مقبلا على فلان يشتمه، ثم استوى الي يشتمني، واستوى عليّ يشاتمني قال الشاعر:
اقول وقد قطعن بنا شروري   ثواني واستوين من الضجوع
أي أقبلن وخرجن من الضجوع وقال قوم: ليس معنى البيت ما قاله وانما معناه استوين على الطريق من الضجوع خارجات بمعنى استقمن عليه. وقال قوم: معنى استوى: قصدها لتسويتها كقول القائل: قام الخليفة يدبر أمر بني تميم، ثم استوى وتحول إلى بني ربيعة، فأعطاهم وقسم لهم اي قصد اليه. ويقال مر فلان مستوياً إلى موضع كذا ولم يعدل اى قصد اليها. وقال قوم: معنى استوى اى استولى على السماء بالقهر كما قال:لتستووا على ظهوره } أى تقهروه ومنه قوله تعالى:ولما بلغ أشده واستوى } أى تمكن من أمره وقهر هواه بعقله فقال: { ثم استوى إلى السماء } في تفرده بملكها، ولم يجعلها كالارض ملكا لخلقه ومنه قول الشاعر:
فلما علونا واستوينا عليهم   تركناهم صرعى لنسر وكاسر
وقال آخر:
ثم استوى بشر على العراق   من سيف ودم مهراق
وقال الحسن: ثم استوى امره وصنعه إلى السماء، لأن أوامره وقضاياه تنزل من السماء إلى الأرض وقال بعضهم استوى بمعنى استوت به السماء كما قال الشاعر:
اقول له لما استوى في تراثه   على أي دين قتل الناس مصعب
وأحسن هذه الوجوه أن يحمل على أنه علا عليها فقهرها، وارتفع فدبرها بقدرته، وخلقهن سبع سماوات، فكان علوه عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال، وبعد ذلك قول من قال: قصد اليها فخلقها، ولا يقدح في الأول علوه تعالى على الاشياء فيما لم يزل، لأنه وان كان كذلك لم يكن قاهراً لها بحلقها، لأن ذلك متجدد، وانما قال: إلى السماء ولا سماء هناك كما يقول القائل: اعمل هذا الثوب وانما معه غزل، وقال قوم: انما سواهن سبع سماوات بعد ان كانت دخانا والاول أملح، وقال الرماني السموات غير الافلاك لأن الأفلاك تتحرك وتدور واما السماوات لا تتحرك ولا تدور لقوله تعالى:إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا } وهذا ليس بصحيح، لأنه لا يمتنع ان تكون السماوات هي الأفلاك وان كانت متحركة، لأن قوله تعالى: { يمسك السماوات والأرض أن تزولا } معناه لا تزول عن مراكزها التي تدور عليها.

السابقالتالي
2 3